قوله : ( باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم الركوع بالإعادة ) قال الزين بن المنير : هذه من التراجم الخفية ، وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - لما قال له nindex.php?page=hadith&LINKID=844095ثم اركع حتى تطمئن راكعا إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها ، فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة . قلت : ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند ابن أبي شيبة في هذه القصة " دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها " فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله ) هو ابن عمر العمري .
قوله : ( عن أبيه ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : خالف nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد ، [ ص: 324 ] فإنهم لم يقولوا عن أبيه ؛ ويحيى حافظ قال : فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين . وقال البزار : لم يتابع يحيى عليه ، ورجح الترمذي رواية يحيى . قلت : لكل من الروايتين وجه مرجح ، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة ، ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين . فأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري طريق يحيى هنا وفي " باب وجوب القراءة " وأخرج في الاستئذان طريق عبيد الله بن النمير ، وفي الأيمان والنذور طريق أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه ، وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة .
وللحديث طريق أخرى من غير رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أخرجها أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو nindex.php?page=showalam&ids=17000ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع ، فمنهم من لم يسم رفاعة قال " عن عم له بدري " ومنهم من لم يقل عن أبيه ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه ، وفيه اختلاف آخر نذكره قريبا .
قوله : ( فدخل رجل ) في رواية ابن نمير " ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد " nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة " بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ونحن حوله " وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر ، بينه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد . وروى أبو موسى في الذيل من جهة ابن عيينة عن ابن عجلان عن علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد عن أبيه عن جده أنه دخل المسجد اهـ .
وفيه أمران : زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى ، وجعل الحديث من رواية خلاد جد علي . فأما الأول فوهم من الراوي عن ابن عيينة ، وأما الثاني فمن ابن عيينة لأن nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله ، والمحفوظ أنه من حديث رفاعة ، كذلك أخرجه أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة عن أبي خالد . الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان . وأما ما وقع عند الترمذي " إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته " فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك .
قوله : ( فصلى ) زاد nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية داود بن قيس " ركعتين " وفيه إشعار بأنه صلى نفلا . والأقرب أنها تحية المسجد ، وفي الرواية المذكورة وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمقه في صلاته زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة " ولا ندري ما يعيب منها " وعند ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد " يرمقه ونحن لا نشعر " وهذا محمول على حالهم في المرة الأولى ، وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال : ولا نشعر بما يعيب منها .
قوله : ( ثم جاء فسلم ) في رواية أبي أسامة " فجاء فسلم " وهي أولى لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخ .
قوله : ( فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - ) في رواية مسلم وكذا في رواية ابن نمير في الاستئذان فقال وعليك السلام وفي هذا تعقب على ابن المنير حيث قال فيه : إن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام ، ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبا على جهله فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام اهـ . والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره ، إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث [ ص: 325 ] صاحب " العمدة " بلفظ الباب إلا أنه حذف منه " فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - " فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة .
قوله : ( ارجع ) في رواية ابن عجلان فقال " أعد صلاتك " .
قوله : ( فإنك لم تصل ) قال عياض : فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ ، وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر ، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان ، كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه ، وفيه نظر لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة ، فسأله التعليم فعلمه ، فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية ، أشار إلى ذلك ابن المنير ، وسيأتي في آخر الكلام على الحديث مزيد بحث في ذلك .
قوله : ( ثلاثا ) في رواية ابن نمير " فقال في الثالثة أو في التي بعدها " وفي رواية أبي أسامة " فقال في الثانية أو الثالثة " وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها ولكونه - صلى الله عليه وسلم - كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبا .
قوله : ( حتى تعتدل قائما ) في رواية ابن نمير عند ابن ماجه حتى تطمئن قائما أخرجه ابن أبي شيبة عنه ، وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق لفظه فهو على شرطه ، وكذا أخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده عن أبي أسامة ، وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه ، وكذا أخرجه السراج عن [ ص: 326 ] يوسف بن موسى أحد شيوخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن أبي أسامة ، فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين ، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، وفي لفظ لأحمد nindex.php?page=hadith&LINKID=840055فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين : في القلب من إيجابها - أي الطمأنينة في الرفع من الركوع - شيء لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته ، دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة .
واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة ، وبه قال الجمهور ، واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة ، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم ، لكن كلام nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم ، فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود ، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله " سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه " . قال : فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه ، قال : وخالفهم آخرون فقالوا : إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ ، ثم قال : وهذا قول أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف ومحمد .
قال ابن دقيق العيد : تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر ، أما الوجوب فلتعلق الأمر به ، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب ، بل لكون الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل ، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى ذلك بكونه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم تتعلق به ، فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة . قال : فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه ، وبالعكس . لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد ، ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه [ ص: 327 ] عمل به ، وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث قدمت . قلت : قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ورفاعة ، وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها . فمما لم يذكر فيه تصريحا من الواجبات المتفق عليها : النية ، والقعود الأخير ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، والسلام في آخر الصلاة . قال النووي : وهو محمول على أن ذلك كان معلوما عند الرجل اهـ .
وهذا يحتاج إلى تكملة ، وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم ، وفيه بعد ذلك نظر . قال : وفيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب اهـ . وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما تقدم بيانه ، فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره . واستدل به على تعين لفظ التكبير ، خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم ، وقد تقدمت هذه المسألة في أول صفة الصلاة . قال ابن دقيق العيد : ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات ، ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة ، فقد لا يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى . ونظيره الركوع ، فإن المقصود به التعظيم بالخضوع ، فلو أبدله بالسجود لم يجزئ ، مع أنه غاية الخضوع .
واستدل به على أن قراءة الفاتحة لا تتعين ، قال ابن دقيق العيد : ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلا فيخرج عن العهدة ، قال : والذين عينوها أجابوا بأن الدليل على تعينها تقييد للمطلق في هذا الحديث ، وهو متعقب ، لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضي التخيير ، وإنما يكون مطلقا لو قال : اقرأ قرآنا ، ثم قال : اقرأ فاتحة الكتاب . وقال بعضهم : هو بيان للمجمل ، وهو متعقب أيضا ، لأن المجمل ما لم تتضح دلالته ، وقوله " ما تيسر " متضح لأنه ظاهر في التخيير ، قال : وإنما يقرب ذلك إن جعلت " ما " موصولة ، وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها ، فهي المتيسرة . وقيل هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر . وقيل : محمول على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة ، ولا يخفى ضعفهما . لكنه محتمل ، ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=844038لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقيل : إن قوله " ما تيسر " محمول على ما زاد على الفاتحة جمعا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة . ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان حيث قال فيها nindex.php?page=hadith&LINKID=844111اقرأ بأم القرآن ، ثم اقرأ بما شئت واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان . واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص ، لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة ، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر .
وقال ابن دقيق العيد : ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا ، بل لا بد من انتفاء الموانع . ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم ، لا سيما مع عدم خوف الفوات ، إما بناء على ظاهر الحال ، أو بوحي خاص . وقال التوربشتي : إنما سكت عن تعليمه أولا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي ، وكأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت عن تعليمه زجرا له وتأديبا وإرشادا إلى استكشاف ما استبهم عليه ، فلما طلب كشف الحال من مورده أرشد إليه . انتهى .
لكن فيه مناقشة ، لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - بدأه لما جاء أول مرة بقوله nindex.php?page=hadith&LINKID=843741ارجع فصل فإنك لم تصل فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها ؟ لكن الجواب يصلح بيانا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك ، والله أعلم . وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا ، قاله عياض . وقال النووي : وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها ، وأن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لا من الكلام فيما لا معنى له . وموضع الدلالة منه كونه قال " علمني " أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها .