[ ص: 337 ] وحديث البراء تقدم التنبيه عليه في " باب استواء الظهر " . وقوله " قريبا من السواء " فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه ، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود .
قوله : ( وإذا رفع ) أي ورفعه إذا رفع ، وكذا قوله " وبين السجدتين " أي وجلوسه بين السجدتين ، والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب ، ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في " باب استواء الظهر " وهو قوله " ما خلا القيام والقعود " ووقع في رواية لمسلم " فوجدت قيامه فركعته فاعتداله " الحديث ، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل ، ثم قال في آخر كلامه : فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث اهـ .
وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى عن البراء ، لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه ، ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك ، إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله " ما خلا القيام والقعود " وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة ، وكذا القعود والمراد به القعود للتشهد كما تقدم ، قال ابن دقيق العيد : هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل ، وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك ، بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم : لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود . ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد ، وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع ، فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجيء قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس بعد قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=844128حمدا كثيرا طيبا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد زاد في حديث ابن أبي أوفى " اللهم طهرني بالثلج إلخ " وزاد في حديث الآخرين " أهل الثناء والمجد إلخ " وقد تقدم في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور ، ومن ثم اختار النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب ، واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال " ربنا لك الحمد " قياما طويلا قريبا مما ركع . قال النووي : الجواب عن هذا الحديث صعب ، والأقوى جواز الإطالة بالذكر اهـ . وقد أشار nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم إلى عدم البطلان فقال في ترجمة " كيف القيام من الركوع " : ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة ، إلى آخر كلامه في ذلك . فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال ، وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها ، وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها ، والله أعلم .
وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله " قريبا من السواء " ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدلة فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان ، فقد ثبت أنه قرأ في [ ص: 338 ] الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر ، وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات .