قوله : ( باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد ، وليس بواجب ) يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه ، لقوله في آخر حديث التشهد " ثم ليتخير " والمنفي وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص ، وهذا واضح مطابق للحديث ، وإن كان التخيير مأمورا به . ويحتمل أن يكون المنفي التخيير ، ويحمل الأمر الوارد به على الندب ، ويحتاج إلى دليل .
قال ابن رشيد : ليس التخيير في آحاد الشيء بدال على عدم وجوبه ، فقد يكون أصل الشيء واجبا ويقع التخيير في وصفه . وقال الزين بن المنير : قوله " ثم ليتخير " وإن كان بصيغة الأمر لكنها كثيرا ما ترد للندب ،
[ ص: 374 ] وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب ، وفيه نظر ، فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور في الباب قبله ، وذلك أنه سأل ابنه : هل قالها بعد التشهد ؟ فقال : لا ، فأمره أن يعيد الصلاة . وبه قال بعض أهل الظاهر . وأفرط nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضا ، وقال ابن المنذر : لولا حديث ابن مسعود " ثم ليتخير من الدعاء " لقلت بوجوبها ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد ، وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك ، واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع ، وفيه نظر لأنه ورد عن nindex.php?page=showalam&ids=11958أبي جعفر الباقر nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب . وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي حديث الباب ما يقتضيه ، فعند nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال : قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو لنفسه بعد .
وقد وافق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك ، وقال إسحاق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال : إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه ، فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد ، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا . ومنهم من قيد تفرد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثناء التشهد مثلا لم يجزئ عنده . وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى .
قوله : ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) زاد أبو داود عن مسدد شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه " فيدعو به " ونحوه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من وجه آخر بلفظ " فليدع به " ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش " ثم ليتخير من الدعاء ما أحب " وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات " ثم ليتخير من الثناء ما شاء " ونحوه لمسلم بلفظ " من المسألة " واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة ، قال ابن بطال : خالف في ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة فقالوا : لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن ، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة ، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث ، وعبارة بعضهم : ما كان مأثورا ، قال قائلهم : والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع ، لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم ، وكلا يرد على قول ابن سيرين : لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة ، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح في أمر الدنيا ، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل ، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز ، وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال " كان nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني ابن مسعود - يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول : إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم . اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون ، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون . ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية . قال ويقول : لم يدع نبي ولا صالح بشيء إلا دخل في هذا الدعاء . وهذا من المأثور غير مرفوع ، وليس هو مما ورد في القرآن . وقد استدل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بالحديث المتفق عليه nindex.php?page=hadith&LINKID=844175ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=844176إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله الحديث . وفي آخره [ ص: 375 ] " ثم يدعو لنفسه بما بدا له " هكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وأصل الحديث في مسلم ، وهذه الزيادة صحيحة لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم .