[ ص: 395 ] قوله : ( باب ما جاء في الثوم ) هذه الترجمة والتي بعدها من أحكام المساجد . وأما التراجم التي قبلها فكلها من صفة الصلاة . لكن مناسبة هذه الترجمة وما بعدها لذلك من جهة أنه بنى صفة الصلاة على الصلاة في الجماعة ، ولهذا لم يفرد ما بعد كتاب الأذان بكتاب ، لأنه ذكر فيه أحكام الإقامة ثم الإمامة ثم الصفوف ثم الجماعة ثم صفة الصلاة ، فلما كان ذلك كله مرتبطا بعضه ببعض واقتضى فضل حضور الجماعة بطريق العموم ناسب أن يورد فيه من قام به عارض كأكل الثوم ، ومن لا يجب عليه ذلك كالصبيان ، ومن تندب له في حالة دون حالة كالنساء ، فذكر هذه التراجم فختم بها صفة الصلاة .
قوله : ( الثوم ) بضم الثاء المثلثة ، ( والنيء ) بكسر النون وبعدها تحتانية ثم همزة وقد تدغم ، وتقييده بالنيء حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه . وقوله في الترجمة " والكراث " لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها ، لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر كما سأذكره ، وهذا أولى من قول بعضهم إنه قاسه على البصل . ويحتمل أن يكون استنبط الكراث من عموم الخضرات فإنه يدخل فيها دخولا أولويا لأن رائحته أشد .
قوله : ( وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ) هو بكسر اللام ، و قوله : ( من الجوع أو غيره ) لم أر التقييد بالجوع وغيره صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره ، فعند مسلم من [ ص: 396 ] رواية nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عن جابر قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=844225نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل البصل والكراث ، فغلبتنا الحاجة " الحديث . وله من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن أبي سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=844226لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع " الحديث . وقال ابن المنير في الحاشية : ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد ، قال : وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع ، والمجذوم علته سماوية . قال : لكن قوله - صلى الله عليه وسلم - من جوع أو غيره يدل على التسوية بينهما . انتهى . وكأنه رأى قول nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الترجمة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ فظنه لفظ حديث ، وليس كذلك ، بل هو من تفقه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى .
قوله : ( من أكل ) قال ابن بطال هذا يدل على إباحة أكل الثوم ، لأن قوله : من أكل " لفظ إباحة . وتعقبه ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم ، أي من وجد منه الأكل ، وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح ، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه عند مسلم الدلالة على عدم تحريمه كما سيأتي .
قوله : ( حدثنا يحيى ) هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر .
قوله : ( قال في غزوة خيبر ) قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم . وتعقبه ابن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو في الغزاة نفسها ، قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر . انتهى .
فكأن الذي حمل الداودي على ذلك قوله في الحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=844227فلا يقربن مسجدنا لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة ، لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه - صلى الله عليه وسلم - عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله : مسجدنا يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين . ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=844228فلا يقربن المساجد ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي ، وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه . وفي مصنف عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال قلت لعطاء هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد ؟ قال : لا بل في المساجد .
قوله : ( من هذه الشجرة يعني الثوم ) لم أعرف القائل يعني ويحتمل أن يكون عبيد الله بن عمر ، فقد رواه السراج من رواية يزيد بن الهادي عن نافع بدونها ولفظه nindex.php?page=hadith&LINKID=844229نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الثوم يوم خيبر وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=844230حتى يذهب ريحها . وفي قوله : شجرة مجاز لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق وما لا ساق له يقال له نجم ، وبهذا فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى : والنجم والشجر يسجدان ; ومن أهل اللغة من قال : كل ما ثبتت له أرومة ، أي أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر ، وإلا فنجم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق اهـ . ومنهم من قال : بين الشجر والنجم عموم وخصوص ، فكل نجم شجر من غير عكس كالشجر والنخل ، فكل نخل شجر من غير عكس .