[ ص: 411 ] ( كتاب الجمعة ) ثبتت هذه الترجمة للأكثر ، ومنهم من قدمها على البسملة ، وسقطت لكريمة وأبي ذر عن nindex.php?page=showalam&ids=14170الحموي . والجمعة بضم الميم على المشهور ، وقد تسكن وقرأ بها الأعمش ، وحكى الواحدي عن الفراء فتحها ، وحكى الزجاج الكسر أيضا . والمراد بيان أحكام صلاة الجمعة . واختلف في تسمية اليوم بذلك - مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة - بفتح العين المهملة وضم الراء وبالموحدة - فقيل : سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه ، ذكره أبو حذيفة النجاري في المبتدأ عن ابن عباس وإسناده ضعيف . وقيل : لأن خلق آدم جمع فيه ورد ذلك من حديث سلمان أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما في أثناء حديث ، وله شاهد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ذكره ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي ، وأحمد مرفوعا بإسناد ضعيف . وهذا أصح الأقوال ، ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة ، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة ، فصلى بهم وذكرهم فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه ، ذكره ابن أبي حاتم موقوفا . وقيل : لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي ، روى ذلك الزبير في " كتاب النسب " عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا وبه جزم الفراء وغيره . وقيل : إن قصيا هو الذي كان يجمعهم ذكره ثعلب في أماليه . وقيل سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه ، وبهذا جزم nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فقال : إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة . انتهى .
وفيه نظر ، فقد قال أهل اللغة : إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية ، وقالوا في الجمعة هو يوم العروبة ، فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى : أول ، أهون ، جبار ، دبار ، مؤنس ، عروبة ، شيار . وقال الجوهري : كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة ، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء ، وهي هذه المتعارفة الآن كالسبت والأحد إلى آخرها . وقيل : إن أول من سمى الجمعة العروبة كعب بن لؤي وبه جزم الفراء وغيره ، فيحتاج من قال إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص . وذكر ابن القيم في الهدي ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية ، وفيها أنها يوم عيد ولا يصام منفردا ، وقراءة الم تنزيل وهل أتى في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها ، والغسل لها والطيب والسواك ولبس أحسن الثياب ، [ ص: 412 ] وتبخير المسجد والتبكير والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب ، والخطبة والإنصات ، وقراءة الكهف ، ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء ، ومنع السفر قبلها ، وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة ، ونفي تسجير جهنم في يومها ، وساعة الإجابة ، وتكفير الآثام ، وأنها يوم المزيد والشاهد المدخر لهذه الأمة ، وخير أيام الأسبوع ، وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخبر فيه ، وذكر أشياء أخر فيها نظر ، وترك أشياء يطول تتبعها . انتهى ملخصا والله أعلم .
قوله : ( فاسعوا فامضوا ) هذا في رواية أبي ذر عن nindex.php?page=showalam&ids=14170الحموي وحده ، وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث المتقدم nindex.php?page=hadith&LINKID=844272فلا تأتوها تسعون فالمراد به الجري . وسيأتي في التفسير أن عمر قرأ " فامضوا " وهو يؤيد ذلك . واستدلال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذه الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم ، وكذا حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ثم قال : فالتنزيل ثم السنة يدلان على إيجابها ، قال : وعلم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت . وقال الشيخ الموفق : الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب . واختلف في وقت فرضيتها فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي مدنية ، وقال الشيخ أبو حامد : فرضت بمكة ، وهو غريب . وقال الزين بن المنير : وجه الدلالة من الآية الكريمة مشروعية النداء لها ، إذ الأذان من خواص الفرائض ، وكذا النهي عن البيع لأنه لا ينهى عن المباح - يعني نهي تحريم - إلا إذا أفضى إلى ترك واجب ، ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها . قال : وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض لأنه للإلزام ، وإن أطلق على غير الإلزام كالتقدير لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أم بالاجتهاد . وفي سياق القصة إشعار بأن فرضيتها على الأعيان لا على الكفاية ، وهو من جهة إطلاق الفرضية ومن التعميم في قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=844273فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع .
[ ص: 413 ] قوله : ( نحن الآخرون السابقون ) في رواية ابن عيينة عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عند مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=844274نحن الآخرون ونحن السابقون أي الآخرون زمانا الأولون منزلة ، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضى بينهم وأول من يدخل الجنة . وفي حديث حذيفة عند مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=844275نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق . وقيل : المراد بالسبق هنا إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل ، وهو يوم الجمعة ، ويوم الجمعة وإن كان مسبوقا بسبت قبله أو أحد لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقا . وقيل المراد بالسبق أي إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا ، والأول أقوى ،
قوله : ( بيد ) بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنا ومعنى ، وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه ابن سيده ، وروى ابن أبي حاتم في مناقب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن الربيع عنه أن معنى " بيد " من أجل ، وكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان والبغوي عن المزني عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقد استبعده عياض ولا بعد فيه ، بل معناه أنا سبقنا بالفضل هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان ، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم ، ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري من طريق أبي صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=844276نحن الآخرون في الدنيا ونحن السابقون أول من يدخل الجنة لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وفي موطأ سعيد بن عفير عن مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=844277ذلك بأنهم أوتوا الكتاب وقال الداودي : هي بمعنى على أو مع ، قال القرطبي : إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء ، وإن كانت بمعنى مع فنصب على الظرف . وقال الطيبي : هي للاستثناء ، وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم ، والمعنى نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ ، لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرا في الوجود ، وبهذا التقرير يظهر موقع قوله " نحن الآخرون " مع كونه أمرا واضحا .
قوله : ( أوتوا الكتاب ) اللام للجنس ، والمراد التوراة والإنجيل ، والضمير في " أوتيناه " للقرآن . وقال القرطبي : المراد بالكتاب التوراة ، وفيه نظر لقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=844278وأوتيناه من بعدهم " فأعاد الضمير على الكتاب ، فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار ، لأنا إنما أوتينا القرآن . وسقط من الأصل قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=844278وأوتيناه من بعدهم " وهي ثابتة في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12011أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في مسند الشاميين عنه ، وكذا لمسلم من طريق ابن عيينة عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، وسيأتي تاما عند المصنف بعد أبواب من وجه آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قوله : ( ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم ) كذا للأكثر ، nindex.php?page=showalam&ids=14170وللحموي " الذي فرض الله عليهم " والمراد باليوم يوم الجمعة ، والمراد باليوم بفرضه فرض تعظيمه ، وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الكلام كما عند مسلم من طريق آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ومن حديث حذيفة قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=844279أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا الحديث . قال ابن بطال : ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه ، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن ، وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم ، فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا [ ص: 414 ] ليوم الجمعة ، ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا . وقال النووي : يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطئوا . انتهى .
قوله : ( فهدانا الله له ) يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه ، وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد ، ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال " جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل أن تنزل الجمعة ، فقالت الأنصار : إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام ، وللنصارى كذلك ، فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره . فجعلوه يوم العروبة ، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية ، وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وغير واحد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=844281كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أسعد بن زرارة " الحديث .
فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ، ثم فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره ، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق . وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه ، والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه ، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه .
قوله : ( اليهود غدا والنصارى بعد غد ) في رواية أبي سعيد المقبري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة " nindex.php?page=hadith&LINKID=844282فهو لنا ، ولليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد " والمعنى أنه لنا بهداية الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم وخطئهم في اجتهادهم . قال القرطبي : غدا هنا منصوب على الظرف ، وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا ، وكذا قوله " بعد غد " ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة . انتهى .
وقال ابن مالك : الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك : غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما ، أي تعييد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد اهـ . وسبقه إلى نحو ذلك عياض ، وهو أوجه من كلام القرطبي . وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال النووي ، لقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=844283فرض عليهم فهدانا الله له " فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا ، وقد وقع في رواية سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عند مسلم بلفظ " كتب علينا " . وفيه أن الهداية والإضلال [ ص: 415 ] من الله تعالى كما هو قول أهل السنة ، وأن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة ، وأن استنباط معنى من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل ، وأن القياس مع وجود النص فاسد ، وأن الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز ، وأن الجمعة أول الأسبوع شرعا ، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة وكانوا يسمون الأسبوع سبتا كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس ، وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك ، وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى .