قوله : ( باب فضل الغسل يوم الجمعة ) قال الزين بن المنير : لم يذكر الحكم لما وقع فيه من الخلاف ، واقتصر على الفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي تتفق الأدلة على ثبوته .
قوله : ( وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء ) اعترض أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال : ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة ؟ وأورد nindex.php?page=hadith&LINKID=815786إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره ، وأجاب ابن التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم ، أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال " على كل محتلم " فدل على أنها غير واجبة على الصبيان ، قال : وقال الداودي فيه دليل على سقوطها عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا [ ص: 416 ] بالاحتلام ، وتعقب بأن الحيض في حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام ، وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم . وقال الزين بن المنير : إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار ، فيحتاج إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله ، واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع الاحتمال في حق الصبي في عموم قوله : أحدكم " لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه ، وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في " أحدكم " بطريق التبع ، وكذا احتمال عموم النهي في منعهن المساجد ، لكن تقيده بالليل يخرج الجمعة اهـ . ولعل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أشار بذكر النساء إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع ، وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجاله ثقات ، لكن قال أبو داود : لم يسمع طارق من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه رآه اهـ . وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ، قال الزين بن المنير : ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال إن حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة ، وإن حضرها لأمر اتفاقي فلا . ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث .
حديث نافع عن ابن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=815786إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " وقد رواه ابن وهب عن مالك أن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا حدثهم فذكره ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، والفاء للتعقيب ، وظاهره أن الغسل يعقب المجيء ، وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا أراد أحدكم ، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه nindex.php?page=hadith&LINKID=844284إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ونظير ذلك قوله تعالى : إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف . ويقوي رواية الليث حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=844285من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل ، وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة ، لأن الحديث واحد ومخرجه واحد ، وقد بين الليث في روايته المراد ، وقواه حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ورواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث مشهورة جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع ، وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا ، فما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث ، ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة nindex.php?page=showalam&ids=16802وقاسم بن أصبغ nindex.php?page=hadith&LINKID=844286كان الناس يغدون في أعمالهم ، فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة ، فشكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من جاء منكم الجمعة فليغتسل ومنها ذكر محل القول ، ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة عن نافع عن ابن عمر " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول " أخرجه يعقوب الجصاص في فوائده من رواية اليسع بن قيس عن الحكم ، وطريق الحكم عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله " جاء " فعنده " راح " وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ثلاثتهم عن نافع ، ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن [ ص: 417 ] جويرية عن نافع عند nindex.php?page=showalam&ids=15061أبي مسلم الكجي بلفظ " كان إذا خطب يوم الجمعة قال " الحديث . ومنها زيادة في المتن ، ففي رواية عثمان بن واقد عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحاحهم بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=844287من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ، ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات ، لكن قال البزار : أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه .
ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا ، أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضالة عن عياش بن عباس القتباني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=844288الجمعة واجبة على كل محتلم ، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل قال nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط : لم يروه عن نافع بزيادة حفصة إلا بكير ، ولا عنه إلا عياش تفرد به مفضل . قلت : رواته ثقات ، فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن غيره من الصحابة ، فسيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية ابن عمر عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما مع اختلاف المتون ، قال ابن دقيق العيد : في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة ، واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ، ووافقه الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث والجمهور قالوا : يجزئ من بعد الفجر ، ويشهد لهم حديث ابن عباس الآتي قريبا .
وقال الأثرم : سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء ؟ فقال : نعم . ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى ، يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه وله صحبة " أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل " ومقتضى النظر أن يقال : إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة ، فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ، ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم .
قال ابن دقيق العيد : ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم ، يعني كما سيأتي في حديث الباب الثالث ، وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب ، قال : وفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة ، وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به . والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ . قلت : وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به . وادعى nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع ، والرد يفضي إلى التطويل بما لا طائل تحته ، ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح بإجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة ، وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة ، فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس ، والله أعلم . واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة ، وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع ، وهذا هو الأصح عند الشافعية ، وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية ، وقوله فيه " الجمعة " [ ص: 418 ] المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه ، وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به ، واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينة لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث ، وهذا بخلاف صيغة افعل فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب .