قوله : ( باب السواك يوم الجمعة ) أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة ، والمعلق طرف من حديث [ ص: 436 ] أبي سعيد المذكور في " باب الطيب للجمعة " فإن فيه " وأن يستن " أي يدلك أسنانه بالسواك . وأما الموصولة فأولها حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " لولا أن أشق " ومطابقته للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله " كل صلاة " وقال الزين بن المنير : لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة ، وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم . ثاني الموصولة حديث أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=884887أكثرت عليكم في السواك " قال ابن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة ، ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد وهو يوم الجمعة . ثالث الموصولة حديث حذيفة أنه - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=884888كان إذا قام من الليل يشوص فاه . ووجه مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى ؛ لأنه شرع لها التجمل في الباطن والظاهر ، وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب الوضوء وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى .
قوله : ( أو لولا أن أشق على الناس ) هو شك من الراوي ، ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في الموطآت من طريق الموطأ nindex.php?page=showalam&ids=16476لعبد الله بن يوسف شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه بهذا الإسناد بلفظ " أو على الناس " لم يعد قوله " لولا أن أشق " وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه أكثرهم بلفظ " المؤمنين " بدل " أمتي " ورواه يحيى بن يحيى الليثي بلفظ " على أمتي " دون الشك .
قوله : ( لأمرتهم بالسواك ) أي باستعمال السواك ، لأن السواك هو الآلة ، وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضا فعلى هذا لا تقدير ، والسواك مذكر على الصحيح ، وحكى في الحكم تأنيثه ، وأنكر ذلك الأزهري .
قوله : ( مع كل صلاة ) لم أرها أيضا في شيء من روايات الموطأ إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى لكن بلفظ " عند كل صلاة " وكذا nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن قتيبة عن مالك ، وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج فقال " مع الوضوء " بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه ، قال القاضي البيضاوي : " لولا " كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره ، والحق أنها مركبة من " لو " الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و " لا " النافية ، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة ، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين : أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ، ولو كان للندب لما جاز النفي ، ثانيهما أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب ، إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك . وقال الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه ، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به اهـ .
ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بلفظ " لفرضت عليهم " بدل لأمرتهم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به أو لم يشق اهـ . وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم ، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع ، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال : هو واجب لكل صلاة ، فمن تركه [ ص: 437 ] عامدا بطلت صلاته . وعن داود أنه قال : وهو واجب لكن ليس شرطا . واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به ، فعند ابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا " تسوكوا " nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد نحوه من حديث العباس ، وفي الموطأ في أثناء حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=884889 " عليكم بالسواك " ولا يثبت شيء منها ، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر ، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي . واستدل بقوله " كل صلاة " على استحبابه للفرائض والنوافل ، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد ، وهذا اختاره أبو شامة ، ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند أحمد بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=884890لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون وله من طريق أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=884891لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ، ومع كل وضوء بسواك فسوى بينهما . وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إن طال الفصل مثلا ، فكذلك السواك .
ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك ، ويتأيد بما رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس قال nindex.php?page=hadith&LINKID=884892كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين ، ثم ينصرف فيستاك وإسناده صحيح ، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود ، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم . وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا ، واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار ، لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ، ولا مشقة في وجوبه مرة ، وإنما المشقة في وجوب التكرار . وفي هذا البحث نظر ، لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر ، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة . وقال المهلب : فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج . وفيه ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه من الشفقة على أمته . وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص ، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره ، فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة .
قال ابن دقيق العيد : وفيه بحث ، وهو كما قال ، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه - صلى الله عليه وسلم - بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة ، فيكون معنى قوله " لأمرتهم " أي عن الله بأنه واجب . واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال ، لعموم قوله " كل صلاة " ، وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام .
( فائدة ) : قال ابن دقيق العيد : الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حال تقرب إلى الله ، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة ، وقد ورد من حديث علي عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي ، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه ، لكنه لا ينافي ما تقدم . وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون ، وقوله " أكثرت " وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " لقد أكثرت إلخ " أي بالغت في تكرير طلبه منكم ، أو في إيراد الإخبار في الترغيب فيه . وقال ابن التين : معناه أكثرت عليكم ، وحقيق أن أفعل ، وحقيق أن تطيعوا . وحكى الكرماني أنه روي بضم أوله أي بلغت من عند الله بطلبه منكم . ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة .
( تنبيه ) : ذكره ابن المنير بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=884889عليكم بالسواك " ولم يقع ذلك في شيء من الروايات في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد تعقبه ابن رشيد . واللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا ، وهو في أثناء حديث وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه ، [ ص: 438 ] وسبق الكلام عليه في آخر " باب الدهن للجمعة " ورواه معمر عن الزهري قال " أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم سمعوه يقول ذلك " .