[ ص: 439 ] قوله : ( باب ما يقرأ ) بضم الياء - ويجوز فتحها أي الرجل - ولم يقع قوله : ( يوم الجمعة ) في أكثر الروايات في الترجمة . وهو مراد . قال الزين بن المنير " ما " في قوله " ما يقرأ " الظاهر أنها موصولة لا استفهامية .
قوله : ( حدثنا أبو نعيم ) في نسخة من رواية كريمة " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14906محمد بن يوسف " أي الفريابي ، وذكرا في بعض النسخ جميعا . nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان هو الثوري . nindex.php?page=showalam&ids=15975وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف نسبه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن الثوري . وهو تابعي صغير ، وشيخه تابعي كبير ، وهما معا مدنيان .
قوله : ( في الفجر يوم الجمعة ) في رواية كريمة والأصيلي " في الجمعة في صلاة الفجر " .
قوله : ( الم تنزيل ) بضم اللام على الحكاية ، زاد في رواية كريمة " السجدة " وهو بالنصب .
قوله : ( وهل أتى على الإنسان ) زاد الأصيلي في روايته " حين من الدهر " والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة ، وكذا بينه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ " الم تنزيل ، في الركعة الأولى ، وفي الثانية : هل أتى على الإنسان " وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك أو إكثاره منه ، بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ولفظه " يديم ذلك " وأصله في ابن ماجه بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات ، لكن صوب أبو حاتم إرساله . وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب : ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا ، وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب ، فإن الصيغة ليست نصا في المداومة لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك .
وقد أشار nindex.php?page=showalam&ids=11927أبو الوليد الباجي في رجال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى الطعن في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا امتنع من الرواية عنه لأجله ، وأن الناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة اهـ .
وليس كما قال ، فإن سعدا لم ينفرد به مطلقا ، فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله ، وكذا ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الأوسط من حديث علي . وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة ، لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به كما نقله ابن المنذر وغيره ، حتى إنه ثابت عن nindex.php?page=showalam&ids=12378إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد وهو من كبار التابعين من أهل المدينة أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة ، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، وكلام nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة لأنه قال : وهو أمر لم يعلم بالمدينة ، فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره اهـ . وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد فليس لأجل هذا الحديث ، بل لكونه طعن في نسب مالك ، كذا حكاه ابن البرقي عن nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ، وحكى أبو حاتم عن nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني قال : كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة فلذلك لم يكتب عنه أهلها . وقال الساجي : أجمع [ ص: 440 ] أهل العلم على صدقه . وقد روى مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عنه ، فصح أنه حجة باتفاقهم . قال : nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف ، فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك اهـ . وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة ، فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض ، قال القرطبي : وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث . وقيل لخشية التخليط على المصلين ، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط ، لكن صح من حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها ، أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، فبطلت التفرقة . ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض ، قال ابن دقيق العيد : أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث ، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع ، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة ، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات اهـ .
وإلى ذلك أشار nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي بقوله : ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدرة ، ويقطع أحيانا لئلا تظنه العامة سنة اهـ . وهذا على قاعدتهم في التفرقة بين السنة والمستحب . وقال صاحب المحيط من الحنفية : يستحب قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجزئ غيره . وأما صاحب الهداية منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي وإيهام التفضيل . وقول nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي يناسب قول صاحب المحيط ، فإنه خص الكراهة بمن يراه حتما لا يجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة .
الثانية : قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها فيها سجدة ، وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد من العلماء ، ونسبهم صاحب الهدي إلى قلة العلم ونقص المعرفة ، لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي أنه قال : يستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة . وعنده من طريقه أيضا أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم . ومن طريق ابن عون قال : كانوا يقرءون في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة . وعنده من طريقه أيضا قال : وسألت nindex.php?page=showalam&ids=16972محمدا - يعني ابن سيرين - عنه فقال لا أعلم به بأسا اهـ .
فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة فلا ينبغي القطع بتزييفه . وقد ذكر النووي في زيادات الروضة هذه المسألة وقال : لم أر فيها كلاما لأصحابنا ، ثم قال : وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا قصده اهـ . وقد أفتى ابن عبد السلام قبله بالمنع وببطلان الصلاة بقصد ذلك ، قال صاحب المهمات : مقتضى كلام القاضي حسين الجواز . وقال الفارقي في فوائد المهذب : لا تستحب قراءة سجدة غير تنزيل ، فإن ضاق الوقت [ ص: 441 ] عن قراءتها قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها ، ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب الانتصار وفيه نظر .
( تكملة ) : قال الزين ابن المنير : مناسبة ترجمة الباب لما قبلها أن ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين . وقيل : إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة ، لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة ، ذكره ابن دحية في العلم المشهور وقرره تقريرا حسنا .