قوله : ( أن رجالا أتوا سهل بن سعد ) لم أقف على أسمائهم .
قوله : ( امتروا ) من المماراة وهي المجادلة ، وقال الكرماني : من الامتراء وهو الشك ، ويؤيد الأول قوله في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عند مسلم " أن تماروا " فإن معناه تجادلوا ، قال الراغب : الامتراء والمماراة المجادلة ، ومنه فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا . وقال أيضا : المرية التردد في الشيء ، ومنه فلا تكن في مرية من لقائه .
قوله : ( إلى فلانة امرأة من الأنصار ) في رواية أبي غسان عن أبي حازم " امرأة من المهاجرين " كما سيأتي في الهبة ، وهو وهم من أبي غسان لإطباق أصحاب أبي حازم على قولهم : " من الأنصار " ، وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة ، وقد تقدم الكلام على اسمها في " باب الصلاة على المنبر " في أوائل الصلاة .
وهذا يحتمل أن يعود الضمير فيه على الأقرب فيكون ميناء اسم زوج المرأة ، وهو بخلاف ما حكيناه في " باب الصلاة على المنبر والسطوح " عن ابن التين أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة ، وجوزنا أن تكون المرأة زوج سعد . وليس في جميع هذه الروايات التي سمي فيها النجار شيء قوي السند إلا حديث ابن عمر ، وليس فيه التصريح بأن الذي اتخذ المنبر nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري ، بل قد تبين من رواية ابن سعد أن تميما لم يعمله . وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال هو ميمون لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضا وأما الأقوال الأخرى فلا اعتداد بها لوهائها . ويبعد جدا أن يجمع بينها بأن النجار كانت له أسماء متعددة . وأما احتمال كون الجميع اشتركوا في عمله فيمنع منه قوله في كثير من الروايات السابقة " لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد " إلا إن كان يحمل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوانه فيمكن والله أعلم .
وحكى بعض أهل السير أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب ، ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب ، ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله ، وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بإسناده إلى حميد [ ص: 464 ] بن عبد الرحمن بن عوف قال " بعث معاوية إلى مروان - وهو عامله على المدينة - أن يحمل إليه المنبر ، فأمر به فقلع ، فأظلمت المدينة ، فخرج مروان فخطب وقال : إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه ، فدعا نجارا ، وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هي عليها اليوم " ، ورواه من وجه آخر قال : فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال " فزاد فيه ست درجات وقال : إنما زدت فيه حين كثر الناس " قال ابن النجار وغيره : استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق ، ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر ، فلم يزل إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا ، وكان أرسل في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا ، شكر الله له صالح عمله آمين .
قوله : ( فعملها من طرفاء الغابة ) في رواية سفيان عن أبي حازم " من أثلة الغابة " كما تقدم في أوائل الصلاة ، ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه ، والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام ، وهي اسم قرية بالبحرين أيضا ، وأصلها كل شجر ملتف .
قوله : ( فأرسلت ) أي المرأة تعلم بأنه فرغ .
قوله : ( فأمر بها فوضعت ) أنث لإرادة الأعواد والدرجات ، ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم " فعمل له هذا الدرجات الثلاث " .
قوله : ( ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها ) أي على الأعواد ، وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر .
قوله : ( وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى ) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة ، وقد تبين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف . والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد عن أبي حازم عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة .
قوله : ( في أصل المنبر ) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه .
قوله : ( ثم عاد ) زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته
قوله : ( ولتعلموا ) بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا ، وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه . وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره . وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل ، وجواز العمل اليسير في الصلاة ، وكذا الكثير إن تفرق ، وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في " باب الصلاة في السطوح " وفيه استحباب اتخاذ [ ص: 465 ] المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه ، واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد إما شكرا وإما تبركا . وقال ابن بطال : إن كان الخطيب هو الخليفة فسنته أن يخطب على المنبر ، وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض . وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شيء أحدثه بعض الخلفاء ، فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة ، وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة . قلت : ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة ، أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب ، ولعل مراد من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين . ولا يلزم من مشروعية ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لمن ولي الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم ، وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين ، والله الموفق .