باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا وقال nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم ينصت إذا تكلم الإمام
قوله : ( باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب ) أشار بهذا إلى الرد على من جعل وجوب الإنصات من خروج الإمام ، لأن قوله في الحديث " والإمام يخطب " جملة حالية يخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة : نعم الأولى أن ينصت كما تقدم الترغيب فيه في " باب فضل الغسل للجمعة " وأما حال الجلوس بين الخطبتين فحكى صاحب " المغني " عن العلماء فيه قولين بناء على أنه غير خاطب ، أو أن زمن سكوته قليل فأشبه السكوت للتنفس .
قوله : ( وقال سلمان ) هو طرف من حديثه المتقدم في " باب الدهن للجمعة " وقوله " ينصت " بضم الأولى على الأفصح ويجوز الفتح . قال الأزهري : يقال أنصت ونصت وانتصت ، قال ابن خزيمة : المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله . وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة ، فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا ومن فرق احتاج إلى دليل ، ولا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقا .
قوله : ( أخبرني ابن شهاب ) هكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث ، ورواه شعيب بن الليث عن [ ص: 481 ] أبيه فقال " عن عقيل عن ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " أخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والطريقان معا صحيحان ، وقد رواه أبو صالح عن الليث بالإسنادين معا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وغيره عن الزهري بهما أخرجه عبد الرزاق وغيره ، ورواه مالك عند أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=12493وابن أبي ذئب عند ابن ماجه كلاهما عن الزهري بالإسناد الأول .
قوله : ( يوم الجمعة ) مفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ، وفيه بحث .
قوله : ( فقد لغوت ) قال الأخفش : اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه ، وقال ابن عرفة : اللغو السقط من القول ، وقيل : الميل عن الصواب ، وقيل : اللغو الإثم كقوله تعالى : وإذا مروا باللغو مروا كراما . وقال الزين بن المنير اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام . وأغرب أبو عبيد الهروي في " الغريب " فقال : معنى لغا تكلم ، كذا أطلق . والصواب التقييد . وقال النضر بن شميل : معنى لغوت خبت من الأجر ، وقيل بطلت فضيلة جمعتك ، وقيل صارت جمعتك ظهرا .
قلت : أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى ، ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=856728ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا قال ابن وهب أحد رواته : معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة . nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من حديث علي مرفوعا من قال صه فقد تكلم ، ومن تكلم فلا جمعة له ولأبي داود نحوه ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار من حديث ابن عباس مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=856729من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفا ، قال العلماء : معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه ، وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله " فقد لغوت " أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه ، وهو جمود شديد ، لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيا ، بل النهي عن الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة ، لأنه إذا جعل قوله " أنصت " مع كونه أمرا بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا . وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=856730فقد لغوت : عليك بنفسك " واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة ، وبه قال الجمهور في حق من سمعها ، وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر . قالوا : وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة .
وأغرب nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه : لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة . وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب : أنصت ، ونحوها ، أخذا بهذا الحديث . وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة ، قال : وفعلهم في ذلك مردود عند أهل العلم ، وأحسن أحوالهم أن يقال : إنه لم يبلغهم الحديث . قلت : nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا ؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني ، والثاني هو الأصح عندهم ، فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين . وعن أحمد أيضا روايتان ، وعنهما أيضا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها ، ولبعض الشافعية التفرقة [ ص: 482 ] بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الإنصات دون من زاد فجعله شبيها بفروض الكفاية . واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول ، وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلام حال الخطبة .
والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة ، بخلاف غيره . ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفا " nindex.php?page=hadith&LINKID=856731ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر " لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحا . ولو كان مكروها كراهة تنزيه ، وأما ما استدل به من أجاز مطلقا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر ، لأنه استدلال بالأخص على الأعم ، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة ، كما خص بعضهم منه رد السلام لوجوبه . ونقل صاحب " المغني " الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر ، وعبارة nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وإذا خاف على أحد لم أر بأسا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم . وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا ، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه ، وقال النووي : محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب اهـ . ومحل الترك إذا لم يخف الضرر ، وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه ، والله أعلم