[ ص: 490 ] قوله : ( باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة إلخ ) ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها ، بل الشرط أن تبقى منهم بقية ما . ولم يتعرض nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لعدد من تقوم بهم الجمعة لأنه لم يثبت منه شيء على شرطه ، وجملة ما للعلماء فيه خمسة عشر قولا : أحدها تصح من الواحد ، نقله nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم . الثاني اثنان كالجماعة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي وأهل الظاهر nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي . الثالث اثنان مع الإمام ، عند أبي يوسف ومحمد . الرابع ثلاثة معه ، عند أبي حنيفة .
الخامس سبعة ، عند عكرمة . السادس تسعة عند ربيعة . السابع اثنا عشر عنه في رواية . الثامن مثله غير الإمام عند إسحاق . التاسع عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك . العاشر ثلاثون كذلك . الحادي عشر أربعون بالإمام عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . الثاني عشر غير الإمام عنه وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة . الثالث عشر خمسون عن أحمد في رواية وحكي عن عمر بن عبد العزيز . الرابع عشر ثمانون حكاه المازري . الخامس عشر جمع كثير بغير قيد . ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل ، ويمكن أن يزداد العدد باعتبار زيادة شرط كالذكورة والحرية والبلوغ والإقامة والاستيطان فيكمل بذلك عشرون قولا .
قوله : ( جائزة ) في رواية الأصيلي " تامة " .
قوله : ( عن حصين ) هو ابن عبد الرحمن الواسطي ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه ، وقد رواه تارة عن nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا وهي رواية أكثر أصحابه ، وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند ابن مردويه ، وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله عند المصنف في التفسير وعند مسلم ، وكذا رواية هشيم عنده أيضا .
قوله : ( بينما نحن نصلي ) في رواية خالد المذكورة عند أبي نعيم في المستخرج " بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة " وهذا ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة ، لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين " nindex.php?page=hadith&LINKID=856748ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب " وله في رواية هشيم " nindex.php?page=hadith&LINKID=856749بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم - زاد أبو عوانة في صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني من طريقه - يخطب " ومثله لأبي عوانة من طريق عباد بن العوام ، ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين ، وكذا وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل ، ومثله في حديث ابن عباس عند البزار . وفي [ ص: 491 ] حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط وفي مرسل قتادة عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وغيره . فعلى هذا فقوله : " نصلي " أي ننتظر الصلاة . وقوله : " في الصلاة " أي في الخطبة مثلا وهو من تسمية الشيء بما قاربه ، فبهذا يجمع بين الروايتين ، ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح ، وكذا استدل به nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة في صحيح مسلم ، وحمل nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي قوله : " يخطب قائما " على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة فقال : التقدير صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يخطب قائما الحديث ، ولا يخفى تكلفه .
قوله : ( إذ أقبلت عير ) بكسر المهملة هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره ، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها . ونقل ابن عبد الحق في جمعه أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يخرج قوله إذ أقبلت عير تحمل طعاما وهو ذهول منه ، نعم سقط ذلك في التفسير وثبت هنا وفي أوائل البيوع وزاد فيه أنها أقبلت من الشام ، ومثله لمسلم من طريق جرير عن حصين ، ووقع عند الطبري من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن أبي مالك ومرة فرقهما أن الذي قدم بها من الشام nindex.php?page=showalam&ids=202دحية بن خليفة الكلبي ، ونحوه في حديث ابن عباس عند البزار ، ولابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس " جاءت عير nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف " وجمع بين هاتين الروايتين بأن التجارة كانت nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا . ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي ، ويجمع بأنه كان رفيق دحية .
قوله : ( فالتفتوا إليها ) في رواية ابن فضيل في البيوع " فانفض الناس " وهو موافق للفظ القرآن ودال على أن المراد بالالتفات الانصراف ، وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره فقال : لا يفهم من هذا الانصراف عن الصلاة وقطعها ، وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم ، وأما هيئة الصلاة المجزئة فباقية . ثم هو مبني على أن الانفضاض وقع في الصلاة ، وقد ترجح فيما مضى أنه إنما كان في الخطبة ، فلو كان كما قيل لما وقع هذا الإنكار الشديد ، فإن الالتفات فيها لا ينافي الاستماع ، وقد غفل قائله عن بقية ألفاظ الخبر . وفي قوله : " فالتفتوا " الحديث ، التفات ، لأن السياق يقتضي أن يقول فالتفتنا ، وكأن الحكمة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت كما سيأتي .
قوله : ( إلا اثني عشر ) قال الكرماني ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه ، بل هو من ضمير بقي الذي يعود إلى المصلي فيجوز فيه الرفع والنصب ، قال : وقد ثبت الرفع في بعض الروايات اهـ . ووقع في تفسير الطبري nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة قال nindex.php?page=hadith&LINKID=856750قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كم أنتم ؟ فعدوا أنفسهم ، فإذا هم اثنا عشر رجلا وامرأة وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي " وامرأتان " ولابن مردويه من حديث ابن عباس " وسبع نسوة " لكن إسناده ضعيف . واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلا إلا ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال " nindex.php?page=hadith&LINKID=856751إلا أربعين رجلا " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ ، وخالفه أصحاب حصين كلهم . وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال : " أنا فيهم " وله في رواية هشيم " فيهم [ ص: 492 ] أبو بكر وعمر " ، وفي الترمذي أن هذه الزيادة في رواية حصين عن أبي سفيان دون سالم ، وله شاهد عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلا ورجال إسناده ثقات ، وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي " أن nindex.php?page=showalam&ids=267سالما مولى أبي حذيفة منهم " وروى nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي عن ابن عباس " أن منهم الخلفاء الأربعة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وأناسا من الأنصار " وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند منقطع " nindex.php?page=hadith&LINKID=856752أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود " قال وفي رواية " عمار " بدل ابن مسعود اهـ . ورواية nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي أقوى وأشبه بالصواب ، ثم وجدت رواية أسد بن عمرو عند nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي بسند متصل لا كما قال السهيلي إنه منقطع أخرجه من رواية أسد عن حصين عن سالم .
قوله : ( فنزلت هذه الآية ) ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة ، والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم . ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة ، وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن ، فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه ، وكان لهم لهو يضربونه فنزلت " ووصله أبو عوانة في صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري بذكر جابر فيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=856753أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما فنزلت هذه الآية " وفي مرسل مجاهد عن عبد بن حميد " nindex.php?page=hadith&LINKID=856754كان رجال يقومون إلى نواضحهم ، وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو ، فنزلت " ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معا وأكثر ، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى مع تفسير الآية المذكورة في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى . والنكتة في قوله : انفضوا إليها دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما كان تبعا للتجارة ، أو حذف لدلالة أحدهما على الآخر . وقال الزجاج : أعيد الضمير إلى المعنى ، أي انفضوا إلى الرؤية أي ليروا ما سمعوه .
( فائدة ) : ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي في الجمع أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في آخر هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=856755لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا قال : وهذا لم أجده في الكتابين ولا في مستخرجي nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي nindex.php?page=showalam&ids=13855والبرقاني ، قال : وهي فائدة من أبي مسعود ، ولعلنا نجدها بالإسناد فيما بعد انتهى .
ولم أر هذه الزيادة في الأطراف لأبي مسعود ولا هي في شيء من طرق حديث جابر المذكورة ، وإنما وقعت في مرسلي الحسن وقتادة المتقدم ذكرهما ، وكذا في حديث ابن عباس عند ابن مردويه وفي حديث أنس عند إسماعيل بن أبي زياد وسنده ساقط . وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما تقدم ، وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده ، وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، وكأنه أخذه من كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير المذكورة ولا يخفى ما فيه . وفيه كراهية ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها ، واستدل به على جواز انعقاد الجمعة باثني عشر نفسا وهو قول ربيعة ، ويجيء أيضا على قول مالك ، ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دل على أنه كاف . وتعقب بأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزئ بهم ، إذ لم يرد في الخبر أنه أتم الصلاة . ويحتمل أيضا أن يكون أتمها ظهرا . وأيضا فقد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام في هذا فقيل : إذا انعقدت لم [ ص: 493 ] يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده . وقيل : يشترط بقاء واحد معه ، وقيل : اثنين ، وقيل : يفرق بين ما إذا انفضوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر بخلاف ما قبل ذلك ، وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق بن راهويه فقال : إذا تفرقوا بعد الانعقاد فيشترط بقاء اثني عشر رجلا . وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم فيها ، وقد تقدم أن ظاهر ترجمة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين ، وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة لا في الصلاة ، وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم ، وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهي كآية لا تبطلوا أعمالكم ، وقبل النهي عن الفعل الكثير في الصلاة . وقول المصنف في الترجمة " فصلاة الإمام ومن بقي جائزة " يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصح له الجمعة ، وهو كذلك عند الجمهور كما تقدم قريبا .
وقيل : تصح إن بقي واحد ، وقيل : إن بقي اثنان ، وقيل : ثلاثة ، وقيل : إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي ، وقيل : يتمها ظهرا مطلقا . وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد ، وإن ثبت قول مقاتل بن حيان الذي أخرجه أبو داود في المراسيل أن الصلاة كانت حينئذ قبل الخطبة زال الإشكال ، لكنه مع شذوذه معضل . وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال : إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث كان قبل نزول الآية . انتهى . وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة ، وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك ، فلما نزلت آية الجمعة . وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور . والله أعلم .