قوله : ( ولقاء العدو ) وهو من عطف الأعم على الأخص ، قال الزين بن المنير : كأن المصنف خص هذه الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة ، فإن الخوف يقتضي مشروعية صلاة الخوف والرجاء بحصول الظفر يقتضي اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح ، فلهذا خالف الحكم في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به .
[ ص: 504 ] قوله : ( وقال الأوزاعي إلخ ) كذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم عنه في كتاب السير .
قوله : ( إن كان تهيأ الفتح ) أي تمكن ، وفي رواية القابسي " إن كان بها الفتح " بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف .
قوله : ( فإن لم يقدروا على الإيماء ) قيل : فيه إشكال لأن العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل ، إلا أن تقع دهشة فيعزب استحضاره ذلك ، وتعقب . قال ابن رشيد : من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء ، وأشار ابن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال ، ويحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ .
قوله : ( فلا يجزيهم التكبير ) فيه إشارة إلى خلاف من قال يجزئ nindex.php?page=showalam&ids=16004كالثوري ، وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا : nindex.php?page=hadith&LINKID=856784إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فتلك صلاتهم بلا إعادة " وعن مجاهد والحكم : إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا ، فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدة أجزأته أين كان وجهه . وقال إسحاق بن راهويه : يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ بها إيماء ، فإن لم يقدر فسجدة فإن لم يقدر فتكبيرة .
( تنبيه ) : ذكر ابن رشيد أن سياق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لكلام الأوزاعي مشوش ، وذلك أنه جعل الإيماء مشروطا بتعذر القدرة ، والتأخير مشروطا بتعذر الإيماء ، وجعل غاية التأخير انكشاف القتال ، ثم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=856786أو يأمنوا فيصلوا ركعتين " فجعل الأمن قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه ؟ وأجاب الكرماني عن هذا بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة ، كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة واتصال المدد بغير انكشاف ، فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين . وأما قوله : " فإن لم يقدروا " فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء " فواحدة " وهذا يؤخذ من كلامه الأول قال " فإن لم يقدروا عليها أخروا " أي حتى يحصل الأمن التام . والله أعلم .
قوله : ( وقال أنس ) وصله ابن سعد nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه ، وذكره " خليفة في تاريخه " nindex.php?page=showalam&ids=16670وعمر بن شبة في " أخبار البصرة " من وجهين آخرين عن قتادة ، ولفظ عمر " سأل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال فقال : حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس - يعني أبا موسى الأشعري - أميرهم " .
[ ص: 505 ] قوله : ( تستر ) بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز ، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر ، وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى .
قوله : ( اشتعال القتال ) بالعين المهملة .
قوله : ( فلم يقدروا على الصلاة ) يحتمل أن يكون للعجز عن النزول ، ويحتمل أن يكون للعجز عن الإيماء أيضا ، فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي ، وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال .
قوله : ( إلا بعد ارتفاع النهار ) في رواية عمر بن شبة " حتى انتصف النهار " .
قوله : ( ما يسرني بتلك الصلاة ) أي بدل تلك الصلاة ، وفي رواية الكشميهني " من تلك الصلاة " .
قوله : ( الدنيا وما فيها ) في رواية خليفة : الدنيا كلها ، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع ، فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت ، ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم >[1] ، ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه ، وهو كقول nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق " لو طلعت لم تجدنا غافلين " وقيل : مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم ، والمراد بالصلاة على هذه الفائتة ومعناه : لو كانت في وقتها كانت أحب إلي فالله أعلم ، وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال : إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور ، وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح ، وقوله هذا موافق لحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=856787ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " انتهى ، وكأنه أراد الموافقة في اللفظ ، وإلا فقصة أنس في المفروضة والحديث في النافلة ، ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا ؟ والله أعلم .
قوله : ( حدثنا يحيى حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ) كذا في معظم الروايات ، ووقع في رواية أبي ذر في نسخة " يحيى بن موسى " وفي أخرى " يحيى بن جعفر " وهذا المعتمد ، وهي نسخة صحيحة بعلامة المستملي ، وفي بعض النسخ " يحيى بن موسى بن جعفر " وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية ابن جعفر على أنها نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب ، واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة ، واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وكلاهما من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع .
قوله : ( عن جابر ) تقدم الكلام على حديثه في أواخر المواقيت ، ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا ، وعلى الثاني هل كان للشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف ؟ وإلى الأول وهو الشغل جنح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها [ ص: 506 ] بالشروط المذكورة ، ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك ، وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفه لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا ، وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه ، وإلى الثالث جنح الشافعية كما تقدم في الموضع المذكور ، وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره - صلى الله عليه وسلم - للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف ، قال ابن القصار : وهو قول من لا يعرف السنن ، لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر ؟ فالله المستعان .