[ ص: 523 ] قوله : ( باب المشي والركوب إلى العيد ، والصلاة قبل الخطبة ، وبغير أذان ولا إقامة ) في هذه الترجمة ثلاثة أحكام : صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها . فأما الأول فقد اعترض عليه ابن التين فقال : ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب . وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما على الآخر ، ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ، ففي الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=856836عن علي قال : " من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا " . وفي ابن ماجه عن سعد القرظ nindex.php?page=hadith&LINKID=856837أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي العيد ماشيا وفيه عن أبي رافع نحوه ، وأسانيد الثلاثة ضعاف . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : بلغنا عن الزهري قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=856838ما ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيد ولا جنازة قط . ويحتمل أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري استنبط من قوله في حديث جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=856839وهو يتوكأ على يد بلال مشروعية الركوب لمن احتاج إليه ، وكأنه يقول : الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب ، كما خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ على بلال . والجامع بين [ ص: 524 ] الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما ، أشار إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12887ابن المرابط ، وأما الحكم الثاني فظاهر من أحاديث الباب ، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده . واختلف في أول من غير ذلك ، فرواية nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله ، وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان ، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري قال " أول من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلى بالناس ثم خطبهم - يعني على العادة - فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ، ففعل ذلك " أي صار يخطب قبل الصلاة . وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان . لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس ، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا ، بخلاف مروان فواظب عليه ، فلذلك نسب إليه . وقد روي عن عمر مثل فعل عثمان ، قال عياض ومن تبعه : لا يصح عنه ، وفيما قالوه نظر ، لأن عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن nindex.php?page=showalam&ids=9228يوسف بن عبد الله بن سلام ، وهذا إسناد صحيح ، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده ، وكذا حديث ابن عمر ، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا وإلا فما في الصحيحين أصح ، وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد " nindex.php?page=hadith&LINKID=856840حتى قدم معاوية فقدم الخطبة " فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته ، وروى عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن الزهري قال " أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية " وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة . قال عياض : ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان ، لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله ، والله أعلم . وأما الحكم الثالث فليس في أحاديث الباب ما يدل عليه إلا حديث ابن عباس في ترك الأذان ، وكذا أحد طريقي جابر . وقد وجهه بعضهم بأنه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها أيضا في الأذان والإقامة ولا يخفى بعده .
والذي يظهر أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث التي ذكرها ، أما حديث ابن عمر ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=hadith&LINKID=856841خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة الحديث . وأما حديث ابن عباس وجابر ففي رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عند مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=856842فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وعنده من طريق عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن عطاء عن جابر قال : لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال لابن الزبير " لا تؤذن لها ولا تقم " أخرجه ابن أبي شيبة عنه ، ولأبي داود من طريق طاوس عن ابن عباس " nindex.php?page=hadith&LINKID=856843أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بلا أذان ولا إقامة " إسناده صحيح ، وفي الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة عند مسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص عند البزار وعن البراء عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط ، وقال مالك في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=856844لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم " وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا . وعرف بهذا توجيه أحاديث الباب ومطابقتها للترجمة ، واستدل بقول جابر " ولا إقامة ولا شيء " على أنه لا يقال أمام صلاتها شيء من الكلام ، لكن روى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن الثقة [ ص: 525 ] عن الزهري قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذن في العيدين أن يقول : الصلاة جامعة " وهذا مرسل يعضده القياس >[1] على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أحب أن يقول : الصلاة ، أو الصلاة جامعة ، فإن قال : هلموا إلى الصلاة لم أكرهه ، فإن قال : حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان أو غيرها كرهت له ذلك .
واختلف في أول من أحدث الأذان فيها أيضا فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه معاوية ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله وزاد : فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة . وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال : أول من أحدثه زياد بالبصرة . وقال الداودي : أول من أحدثه مروان . وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة . وقال ابن حبيب : أول من أحدثه هشام . وروى ابن المنذر عن أبي قلابة قال : أول من أحدثه عبد الله بن الزبير . وقد وقع في حديث الباب أن ابن عباس أخبره أنه لم يكن يؤذن لها ، لكن في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن - يعني ابن الزبير - وأقام . وقوله يؤذن بفتح الذال على البناء للمجهول والضمير ضمير الشأن ، وهشام المذكور في الإسناد الثاني هو ابن يوسف الصنعاني .