[ ص: 582 ] قوله : ( باب الاستسقاء في المسجد الجامع ) أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس ، وذلك حاصل في المسجد الأعظم بناء على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع ، بخلاف ما حدث في هذه الأعصار في بلاد مصر والشام والله المستعان . وقد ترجم له المصنف بعد ذلك " من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء " وترجم له أيضا " الاستسقاء في خطبة الجمعة " فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة ، ومدار الطرق الثلاثة على شريك : فالأولى عن أبي ضمرة ، والثانية عن مالك ، والثالثة عن إسماعيل بن جعفر ثلاثتهم عن شريك . وأخرجه أيضا من طرق أخرى عن أنس سنشير إليها عند النقل لزوائدها إن شاء الله تعالى .
قوله : ( أن رجلا ) لم أقف على تسميته في حديث أنس ، وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور وسأذكر بعض سياقه بعد قليل ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الدلائل من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، ولكن رواه ابن ماجه من طريق شرحبيل بن السمط أنه " قال لكعب بن مرة : يا كعب حدثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحذر ، قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=856987يا رسول الله استسق الله عز وجل ، فرفع يديه فقال : اللهم اسقنا الحديث . ففي هذا أنه غير كعب ، وسيأتي بعد أبواب في هذه القصة " فأتاه أبو سفيان " ومن ثم زعم بعضهم أنه nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب ، وهو وهم لأنه جاء في واقعة أخرى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في " باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين " وقد تقدم في الجمعة من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس " أصاب الناس سنة - أي جدب - على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، [ ص: 583 ] فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة قام أعرابي " وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد عن أنس " أتى رجل أعرابي من أهل البدو " وأما قوله في رواية ثابت الآتية في " باب الدعاء إذا كثر المطر " عن أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=856988فقام الناس فصاحوا " فلا يعارض ذلك ؛ لأنه يحتمل أن يكونوا سألوه بعد أن سأل ، ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه من طلب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم ، وقد وقع في رواية ثابت أيضا عند أحمد " nindex.php?page=hadith&LINKID=856989إذ قال بعض أهل المسجد " وهي ترجح الاحتمال الأول .
قوله : ( من باب كان وجاه المنبر ) بكسر واو وجاه ويجوز ضمها أي مواجهة ، ووقع في شرح ابن التين أن معناه مستدبر القبلة ، وهو وهم ، وكأنه ظن أن الباب المذكور كان مقابل ظهر المنبر ، وليس الأمر كذلك . ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر " nindex.php?page=hadith&LINKID=856990من باب كان نحو دار القضاء " وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمارة ، وليس كذلك وإنما هي دار nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر ، ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عمر ، وذكر عمر بن شبة في " أخبار المدينة " عن أبي غسان المدني : سمعت ابن أبي فديك عن عمه كانت دار القضاء لعمر ، فأمر عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه ، فباعوها من معاوية ، وكانت تسمى دار القضاء . قال ابن أبي فديك سمعت عمي يقول : إن كانت لتسمى دار قضاء الدين . قال وأخبرني عمي أن الخوخة الشارعة في دار القضاء غربي المسجد هي خوخة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=856991لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر وقد صارت بعد ذلك إلى مروان وهو أمير المدينة ، فلعلها شبهة من قال إنها دار الإمارة فلا يكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره ، وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر رواه عمر بن شبة في " أخبار المدينة " عن أبي غسان المدني أيضا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها سهلة بنت عاصم قالت : كانت دار القضاء nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف وإنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضي الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان . قال عبد العزيز : فكانت فيها الدواوين وبيت المال ، ثم صيرها السفاح رحبة للمسجد . وزاد أحمد في رواية ثابت عن أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=856992إني لقائم عند المنبر " فأفاد بذلك قوة ضبطه للقصة لقربه ، ومن ثم لم يرد هذا الحديث بهذا السياق كله إلا من روايته .
قوله : ( قائم يخطب ) زاد في رواية قتادة في الأدب " بالمدينة " .
قوله : ( فقال يا رسول الله ) هذا يدل على أن السائل كان مسلما فانتفى أن يكون أبا سفيان فإنه حين سؤاله لذلك كان لم يسلم كما سيأتي في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قريبا .
قوله : ( هلكت الأموال ) في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني " المواشي " وهو المراد بالأموال هنا لا الصامت ، وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ " هلك الكراع " وهو بضم الكاف يطلق على الخيل وغيرها ، وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية " nindex.php?page=hadith&LINKID=856993هلكت الماشية ، هلك العيال ، هلك الناس " وهو من ذكر العام بعد الخاص ، والمراد بهلاكهم عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر .
[ ص: 584 ] قوله : ( وانقطعت السبل ) في رواية الأصيلي " وتقطعت " بمثناة وتشديد الطاء ، والمراد بذلك أن الإبل ضعفت - لقلة القوت - عن السفر ، أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها ، وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يحملونه يجلبونه إلى الأسواق . ووقع في رواية قتادة الآتية عن أنس " قحط المطر " أي قل ، وهو بفتح القاف والطاء >[1] وحكي بضم ثم كسر ، وزاد في رواية ثابت الآتية عن أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=856994واحمرت الشجر " واحمرارها كناية عن يبس ورقها لعدم شربها الماء ، أو لانتثاره فتصير الشجر أعوادا بغير ورق . ووقع لأحمد في رواية قتادة " nindex.php?page=hadith&LINKID=856995وأمحلت الأرض " وهذه الألفاظ يحتمل أن يكون الرجل قال كلها ، ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى لأنها متقاربة فلا تكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره .
قوله : ( فادع الله يغيثنا ) أي فهو يغيثنا ، وهذه رواية الأكثر ، ولأبي ذر " أن يغيثنا " وفي رواية إسماعيل بن جعفر الآتية للكشميهني " يغثنا " بالجزم ، ويجوز الضم في يغيثنا على أنه من الإغاثة وبالفتح على أنه من الغيث ، ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر " فقال nindex.php?page=hadith&LINKID=856996اللهم أغثنا " ووقع في رواية قتادة " nindex.php?page=hadith&LINKID=856997فادع الله أن يسقينا " وله في الأدب " فاستسق ربك " قال قاسم بن ثابت رواه لنا موسى بن هارون " nindex.php?page=hadith&LINKID=856996اللهم أغثنا " وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث ، والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث ، وقال ابن القطاع : غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر ، وأغاثهم أجاب دعاءهم ، ويقال : غاث وأغاث بمعنى ، والرباعي أعلى . وقال ابن دريد : الأصل غاثه الله يغوثه غوثا فأغيث ، واستعمل أغاثه ، ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا .
قوله : ( من سحاب ) أي مجتمع ( ولا قزعة ) بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق ، قال ابن سيده . القزع قطع من السحاب رقاق ، زاد أبو عبيد : وأكثر ما يجيء في الخريف .
قوله : ( ولا شيئا ) بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور أي ما نرى شيئا ، والمراد نفي علامات المطر من ريح وغيره .
قوله : ( وما بيننا وبين سلع ) بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة ، وقد حكي أنه بفتح اللام .
[ ص: 585 ] قوله : ( من بيت ولا دار ) أي يحجبنا عن رؤيته ، وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا لا مستترا ببيت ولا غيره . ووقع في رواية ثابت في علامات النبوة قال " قال أنس : وإن السماء لفي مثل الزجاجة " أي لشدة صفائها ، وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا .
قوله : ( فطلعت ) أي ظهرت ) ( من ورائه ) أي سلع ، وكأنها نشأت من جهة البحر لأن وضع سلع يقتضي ذلك .
قوله : ( فلما توسطت السماء انتشرت ) هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق فانبسطت حينئذ ، وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر .
قوله : ( ما رأينا الشمس سبتا ) كناية عن استمرار الغيم الماطر ، وهذا في الغالب ، وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية ، وقد تحجب الشمس بغير مطر . وأصرح من ذلك رواية إسحاق الآتية بلفظ " فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى " . وأما قوله : سبتا " فوقع للأكثر بلفظ السبت - يعني أحد الأيام - والمراد به الأسبوع ، وهو من تسمية الشيء باسم بعضه كما يقال جمعة قاله صاحب النهاية . قال : ويقال أراد قطعة من الزمان . وقال الزين بن المنير : قوله : سبتا " أي من السبت إلى السبت ، أي جمعة . وقال المحب الطبري مثله وزاد أن فيه تجوزا لأن السبت لم يكن مبدأ ولا الثاني منتهى ، وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وكانوا قد جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم ، وإنما سموا الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود ، كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك .
قوله : ( ولا علينا ) فيه بيان للمراد بقوله : حوالينا " لأنها تشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله " ولا علينا " . قال الطيبي : في إدخال الواو هنا معنى لطيف ، وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ، ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر ، فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل ، وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ، فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا ا ه .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=857029اللهم على الآكام ) فيه بيان المراد بقوله : حوالينا " والإكام بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد : جمع أكمة بفتحات ، قال ابن البرقي : هو التراب المجتمع ، وقال الداودي : هي أكبر من الكدية . وقال القزاز : هي التي من حجر واحد وهو قول الخليل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : هي الهضبة الضخمة ، وقيل الجبل الصغير ، وقيل ما ارتفع من الأرض ، وقال الثعالبي : الأكمة أعلى من الرابية وقيل دونها .
قوله : ( والظراب ) بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن . وقال القزاز : هو الجبل المنبسط ليس بالعالي ، وقال الجوهري : الرابية الصغيرة .
قوله : ( والأودية ) في رواية مالك " بطون الأودية " والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به ، قالوا : ولم تسمع أفعلة جمع فاعل إلا الأودية جمع واد وفيه نظر ، وزاد مالك في روايته ورءوس الجبال .
وتقدم في الجمعة من هذا الوجه " وسال الوادي قناة " وأعرب بالضم على البدل على أن قناة اسم الوادي ولعله من تسمية الشيء باسم ما جاوره . وقرأت بخط الرضي الشاطبي قال : الفقهاء تقوله بالنصب والتنوين يتوهمونه قناة من القنوات ، وليس كذلك اهـ . وهذا الذي ذكره قد جزم به بعض الشراح وقال : هو على التشبيه . أي سال مثل القناة . وقوله في الرواية المذكورة : إلا حدث بالجود " هو بفتح الجيم المطر الغزير ، وهذا يدل على أن المطر استمر فيما سوى المدينة ، فقد يشكل بأنه يستلزم أن قول السائل " هلكت الأموال وانقطعت السبل " لم يرتفع الإهلاك ولا القطع وهو خلاف مطلوبه ، ويمكن الجواب بأن المراد أن المطر استمر حول المدينة من الإكام والظراب وبطون الأودية لا في الطرق المسلوكة ، ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير ولو كانت تجاورها ، وإذا جاز ذلك جاز أن يوجد للماشية أماكن تكنها وترعى فيها بحيث لا يضرها المطر فيزول الإشكال .