[ ص: 607 ] قوله : ( باب قول الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال ابن عباس شكركم ) يحتمل أن يكون مراده أن ابن عباس قرأها كذلك ، ويشهد له ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور " عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " وهذا إسناد صحيح ، ومن هذا الوجه أخرجه ابن مردويه في التفسير المسند ، وروى مسلم من طريق أبي زميل عن ابن عباس قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=857066مطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فذكر نحو حديث زيد بن خالد في الباب وفي آخره " فأنزلت هذه الآية : فلا أقسم بمواقع النجوم ، إلى قوله : تكذبون " وعرف بهذا مناسبة الترجمة وأثر ابن عباس لحديث زيد بن خالد ، وقد روي نحو أثر ابن عباس المعلق مرفوعا من حديث علي لكن سياقه يدل على التفسير لا على القراءة ، أخرجه عبد بن حميد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي عن علي مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=857067وتجعلون رزقكم ، قال : تجعلون شكركم ، تقولون مطرنا بنوء كذا وقد قيل في القراءة المشهورة حذف تقديره وتجعلون شكر رزقكم . وقال الطبري : المعنى وتجعلون الرزق الذي وجب عليكم به الشكر تكذيبكم به ، وقيل بل الرزق بمعنى الشكر في لغة أزد شنوءة نقله الطبري عن الهيثم بن عدي .
قوله : ( عن زيد بن خالد الجهني ) هكذا يقول صالح بن كيسان لم يختلف عليه في ذلك ، وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال : عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين ؛ لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت ، فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ، وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما كما سنشير إليه . وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة ، وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث ابن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في الطهارة ، وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي .
قوله : ( صلى لنا ) أي لأجلنا ، أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا ، وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى .
قوله : ( بالحديبية ) بالمهملة والتصغير وتخفف ياؤها وتثقل ، يقال سميت بشجرة حدباء هناك .
قوله : ( على إثر ) بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء .
قوله : ( سماء ) أي مطر وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء .
قوله : ( كانت من الليل ) كذا للأكثر ، وللمستملي والحموي " من الليلة " بالإفراد .
قوله : ( فلما انصرف ) أي من صلاته أو من مكانه .
[ ص: 608 ] قوله : ( هل تدرون ) لفظ استفهام معناه التنبيه ، ووقع في رواية سفيان عن صالح عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=hadith&LINKID=857068ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة .
قوله : ( أصبح من عبادي ) هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان فإنها إضافة تشريف .
قوله : ( مؤمن بي وكافر ) يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من رواية نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=857069يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون : مطرنا بنوء كذا ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة ، ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان nindex.php?page=hadith&LINKID=857070فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليه فذلك آمن بي وفي رواية سفيان عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13779والإسماعيلي نحوه ، وقال في آخره : وكفر بي " أو قال " كفر نعمتي " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=857071قال الله : ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين بها وله في حديث ابن عباس " nindex.php?page=hadith&LINKID=857072أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر " وعلى الأول حمله كثير من أهل العلم ، وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال في " الأم " : من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ، ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا ، وغيره من الكلام أحب إلي منه ، يعني حسما للمادة ، وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة في " كتاب الأنواء " أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال : ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر ، قال : وهو مأخوذ من ناء إذا سقط ، وقال آخرون : بل النوء طلوع نجم منها ، وهو مأخوذ من ناء إذا نهض ، ولا تخالف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة ، فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا ، قال : وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته ، فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا ، فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر تشريك ، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة ، فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين ، والله أعلم . ولا يرد الساكت ؛ لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر ، وعلى هذا فالقول في قوله : فأما من قال " لما هو أعم من النطق والاعتقاد ، كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة ، والله أعلم بالصواب .
قوله : ( مطرنا بنوء كذا وكذا ) في حديث أبي سعيد عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي " nindex.php?page=hadith&LINKID=857073مطرنا بنوء المجدح " بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها مهملة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها ، وقيل سمي بذلك لاستدباره الثريا ، وهو نجم أحمر صغير منير . قال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : كل النجوم المذكورة له نوء غير [ ص: 609 ] أن بعضها أحمر وأغزر من بعض ، ونوء الدبران غير محمود عندهم ، انتهى .
وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا ، أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة . وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت " nindex.php?page=hadith&LINKID=857074مطرنا بنوء الشعرى " هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول أخرجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة . وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر . ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة >[1] أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى >[2] كذا قرأت بخط بعض شيوخنا ، وكأنه أخذه من استنطاق النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على الحقيقة ، لكنهم - رضي الله عنهم - فهموا خلاف ذلك ، ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله ورسوله .