بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
1132 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14181حفص بن عمر حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة قال أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن قزعة قال سمعت nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد رضي الله عنه أربعا قال سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وكان غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة ح حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه nindex.php?page=hadith&LINKID=651115عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى
[ ص: 76 ] قوله : ( باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ) ثبت في نسخة الصغاني البسملة قبل الباب ، قال ابن رشيد : لم يقل في الترجمة : وبيت المقدس وإن كان مجموعا إليهما في الحديث لكونه أفرده بعد ذلك بترجمة ، قال : وترجم بفضل الصلاة ، وليس في الحديث ذكر الصلاة ليبين أن المراد بالرحلة إلى المساجد قصد الصلاة فيها ، لأن لفظ المساجد مشعر بالصلاة . . انتهى . وظاهر إيراد المصنف لهذه الترجمة في أبواب التطوع يشعر بأن المراد بالصلاة في الترجمة صلاة النافلة ، ويحتمل أن يراد بها ما هو أعم من ذلك فيدخل النافلة ، وهذا أوجه ، وبه قال الجمهور في حديث الباب ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي إلى أن التفضيل مختص بصلاة الفريضة كما سيأتي .
[ ص: 77 ] قوله : ( أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك ) هو ابن عمير كما وقع في رواية أبي ذر ، والأصيلي .
قوله : ( عن قزعة ) بفتح القاف وكذا الزاي ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير سكونها بعدها مهملة ، هو ابن يحيى ، ويقال : ابن الأسود ، وسيأتي بعد خمسة أبواب في هذا الإسناد : " سمعت قزعة مولى زياد " ، وهو هذا ، وزياد مولاه هو ابن أبي سفيان الأمير المشهور ، ورواية nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عنه من رواية الأقران ، لأنهما من طبقة واحدة .
قوله : ( سمعت أبا سعيد أربعا ) أي يذكر أربعا ، أو سمعت منه أربعا أي أربع كلمات .
قوله : ( وكان غزا ) القائل ذلك هو قزعة ، والمقول عنه أبو سعيد الخدري .
قوله : ( ثنتي عشرة غزوة ) كذا اقتصر المؤلف على هذا القدر ، ولم يذكر من المتن شيئا ، وذكر بعده حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في شد الرحال ، فظن الداودي الشارح أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ساق الإسنادين لهذا المتن ، وفيه نظر ، لأن حديث أبي سعيد مشتمل على أربعة أشياء كما ذكر المصنف ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مقتصر على شد الرحال فقط ، لكن لا يمنع الجمع بينهما في سياق واحد بناء على قاعدة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في إجازة اختصار الحديث ، وقال ابن رشيد : لما كان أحد الأربع هو قوله : " لا تشد الرحال " ذكر صدر الحديث إلى الموضع الذي يتلاقى فيه افتتاح nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة لحديث أبي سعيد ، فاقتطف الحديث ، وكأنه قصد بذلك الإغماض لينبه غير الحافظ على فائدة الحفظ ، على أنه ما أخلاه عن الإيضاح عن قرب ، فإنه ساقه بتمامه خامس ترجمة .
قوله : ( وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي ) هو ابن المديني ، nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان هو ابن عيينة ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد هو ابن المسيب ، ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وجه آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، قال : " حدثنا به سفيان مرة بهذا اللفظ ، وكان أكثر ما يحدث به بلفظ : تشد الرحال " .
قوله : ( لا تشد الرحال ) بضم أوله بلفظ النفي ، والمراد النهي عن السفر إلى غيرها ، قال الطيبي : هو أبلغ من صريح النهي ، كأنه قال : لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به ، والرحال بالمهملة جمع رحل ، وهو للبعير كالسرج للفرس ، وكنى بشد الرحال عن السفر ، لأنه لازمه ، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر ، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور ، ويدل عليه قوله في بعض طرقه : " إنما يسافر " . أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أنس ، عن سليمان الأغر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قوله : ( إلا ) الاستثناء مفرغ والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع ، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها ، لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام ، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص ، وهو المسجد كما سيأتي .
قوله : ( المسجد الحرام ) ؛ أي المحرم ، وهو كقولهم : الكتاب ، بمعنى المكتوب ، والمسجد بالخفض على البدلية ، ويجوز الرفع على الاستئناف ، والمراد به جميع الحرم ، وقيل : يختص بالموضع الذي يصلى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم ، قال الطبري : ويتأيد بقوله : " مسجدي هذا " . لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة ، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك ، وقيل : المراد به الكعبة . حكاه المحب الطبري ، وذكر أنه يتأيد بما [ ص: 78 ] رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بلفظ : " إلا الكعبة " . وفيه نظر ، لأن الذي عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : " إلا مسجد الكعبة " ، حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة ، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء ، أنه قيل له : هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم ؟ قال : بل في الحرم ، لأنه كله مسجد .
قوله : ( ومسجد الرسول ) أي محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي العدول عن " مسجدي " إشارة إلى التعظيم ، ويحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة ، ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد الآتي قريبا : " ومسجدي " .
قوله : ( ومسجد الأقصى ) أي بيت المقدس ، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، وقد جوزه الكوفيون ، واستشهدوا له بقوله تعالى : وما كنت بجانب الغربي والبصريون يؤولونه بإضمار المكان ، أي الذي بجانب المكان الغربي ، ومسجد المكان الأقصى ، ونحو ذلك ، وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة ، وقيل : في الزمان ، وفيه نظر ، لأنه ثبت في الصحيح أن بينهما أربعين سنة ، وسيأتي في ترجمة إبراهيم الخليل من أحاديث الأنبياء ، وبيان ما فيه من الإشكال والجواب عنه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد ، وقيل : لبعده عن الأقذار والخبث ، وقيل : هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة ، لأنه بعيد من مكة ، وبيت المقدس أبعد منه . ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها : إيلياء بالمد والقصر ، وبحذف الياء الأولى ، وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث ، وبيت المقدس بسكون القاف وبفتحها مع التشديد ، والقدس بغير ميم مع ضم القاف ، وسكون الدال ، وبضمها أيضا ، وشلم بالمعجمة وتشديد اللام وبالمهملة ، وشلام بمعجمة ، وسلم بفتح المهملة وكسر اللام الخفيفة ، وأوري سلم بسكون الواو ، وبكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ، قال الأعشى :
وقد طفت للمال آفاقه : دمشق فحمص فأوري سلم
، ومن أسمائه : كورة وبيت أيل ، وصهيون ، ومصروث آخره مثلثة وكورشيلا وبابوس بموحدتين ومعجمة ، وقد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب " ليس " ، وسيأتي ما يتعلق بمكة والمدينة في كتاب الحج .
وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ، ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم ، والثاني كان قبلة الأمم السالفة ، والثالث أسس على التقوى . واختلف في شد الرحال إلى غيرها ، كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا ، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني : يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث ، وأشار القاضي حسين إلى اختياره ، وبه قال عياض وطائفة ، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة خروجه إلى الطور ، وقال له : " لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت " . واستدل بهذا الحديث ، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ، ووافقه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة . والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم ، وأجابوا عن الحديث بأجوبة ؛ منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها ، فإنه جائز ، وقد وقع في رواية لأحمد - سيأتي ذكرها - بلفظ : " لا ينبغي للمطي [ ص: 79 ] أن تعمل " . وهو لفظ ظاهر في غير التحريم >[1] ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة ، فإنه لا يجب الوفاء به قاله ابن بطال ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : اللفظ لفظ الخبر ، ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها ، أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة ، ومنها أن المراد حكم المساجد فقط ، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة ، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح ، أو قريب ، أو صاحب ، أو طلب علم ، أو تجارة ، أو نزهة فلا يدخل في النهي ، ويؤيده ما روى أحمد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، قال : سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=885569لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي . وشهر حسن الحديث ، وإن كان فيه بعض الضعف . ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، عن بعض السلف ، أنه قال : لا يعتكف في غيرها ، وهو أخص من الذي قبله ، ولم أر عليه دليلا ، واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك ، وبه قال مالك ، وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي ، وقال أبو حنيفة : لا يجب مطلقا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم " : يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الأخيرين ، وهذا هو المنصور لأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال ابن المنذر : يجب إلى الحرمين ، وأما الأقصى فلا ، واستأنس بحديث جابر : nindex.php?page=hadith&LINKID=885570أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ، قال : صل هاهنا . وقال ابن التين : الحجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن أعمال المطي إلى مسجد المدينة والمسجد الأقصى والصلاة فيهما قربة ، فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام . انتهى . وفيما يلزم من نذر إتيان هذه المساجد تفصيل وخلاف يطول ذكره ، محله كتب الفروع ، واستدل به على أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها ، لأنها لا فضل لبعضها على بعض ، فتكفي صلاته في أي مسجد كان ، قال النووي : لا اختلاف في ذلك إلا ما روي عن الليث أنه قال : يجب الوفاء به ، وعن الحنابلة رواية : يلزمه كفارة يمين ، ولا ينعقد نذره ، وعن المالكية رواية : إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط لزم ، وإلا فلا ، وذكر عن محمد بن مسلمة المالكي أنه يلزم في مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل سبت كما سيأتي ، قال الكرماني : وقع في هذه المسألة في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة ، وصنف فيها رسائل من الطرفين ، قلت : يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، وما انتصر به الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي وغيره لابن تيمية ، وهي مشهورة في بلادنا ، والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل >[2] إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنكرنا [ ص: 80 ] صورة ذلك ، وفي شرح ذلك من الطرفين طول ، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية ، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نقل عن مالك ، أنه كره أن يقول : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبا لا أصل الزيارة ، فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال ، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع ، والله الهادي إلى الصواب .
قال بعض المحققين : قوله " إلا إلى ثلاثة مساجد " المستثنى منه محذوف ، فإما أن يقدر عاما فيصير : لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة ، أو أخص من ذلك . لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها ، فتعين الثاني ، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة ، وهو : لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة ، فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين ، والله أعلم . وقال السبكي الكبير : ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثة ، ومرادي بالفضل المراد به ما شهد الشرع باعتباره ، ورتب عليه حكما شرعيا ، وأما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها ، بل لزيارة أو جهاد أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات ، قال : وقد التبس ذلك على بعضهم ، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثة داخل في المنع ، وهو خطأ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه ، فمعنى الحديث : لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد ، أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان إلا إلى الثلاثة المذكورة ، وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان ، والله أعلم .