[ ص: 120 ] قوله : ( باب يكبر في سجدتي السهو ) اختلف في سجود السهو بعد السلام : هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود ؟ فالجمهور على الاكتفاء ، وهو ظاهر غالب الأحاديث . وحكى القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو ، قال : وما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة إحرام ، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان ، عن ابن سيرين في هذا الحديث ، قال : " فكبر ، ثم كبر ، وسجد للسهو " . قال أبو داود : لم يقل أحد : فكبر ثم كبر إلا حماد بن زيد ، فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة . وقال القرطبي أيضا : قوله ؛ يعني في رواية مالك الماضية : " فصلى ركعتين ، ثم سلم ، ثم كبر ، ثم سجد " . يدل على أن التكبيرة للإحرام ، لأنه أتى بثم التي تقتضي التراخي ، فلو كان التكبير للسجود لكان معه ، وتعقب بأن ذلك من تصرف الرواة ، فقد تقدم من طريق ابن عون ، عن ابن سيرين بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=885630فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد . فأتى بواو المصاحبة التي تقتضي المعية . والله أعلم .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17353يزيد بن إبراهيم ) هو التستري ، nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد هو ابن سيرين ، والإسناد كله بصريون .
قوله : ( وأكثر ظني أنها العصر ) ؛ هو قول ابن سيرين بالإسناد المذكور ، وإنما رجح ذلك عنده لأن في حديث عمران الجزم بأنها العصر كما تقدمت الإشارة إليه قبل .
قوله : ( ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ) أي في جهة القبلة .
قوله : ( فهابا أن يكلماه ) في رواية ابن عون : " فهاباه " بزيادة الضمير ، والمعنى أنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه . وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم .
قوله : ( وخرج سرعان ) بفتح المهملات ، ومنهم من سكن الراء ، وحكى عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم إسكان ، كأنه جمع سريع ، ككثيب وكثبان . والمراد بهم أوائل الناس خروجا من المسجد ، وهم أصحاب الحاجات غالبا .
قوله : ( فقالوا : أقصرت الصلاة ) كذا هنا بهمزة الاستفهام ، وتقدم في رواية ابن عون بحذفها ، فتحمل تلك على هذه ، وفيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم ، وهابوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوه ، وإنما استفهموه لأن الزمان زمان النسخ . وقصرت بضم القاف وكسر المهملة على [ ص: 121 ] البناء للمفعول ؛ أي أن الله قصرها ، وبفتح ثم ضم على البناء للفاعل ؛ أي صارت قصيرة . قال النووي : هذا أكثر وأرجح .
قوله : ( ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ أي يسميه ( ذا اليدين ) ، والتقدير : وهناك رجل . وفي رواية ابن عون : " وفي القوم رجل في يده طول يقال له : ذو اليدين " . وهو محمول على الحقيقة ، ويحتمل أن يكون كناية عن طولها بالعمل أو بالبذل ، قاله القرطبي ، وجزم nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعا ، وحكي عن بعض شراح " التنبيه " أنه قال : كان قصير اليدين ، فكأنه ظن أنهحميد الطويل ، فهو الذي فيه الخلاف ، وقد تقدم أن الصواب التفرقة بين ذي اليدين ، وذي الشمالين ، وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة ، وسكون الراء ، بعدها موحدة ، وآخره قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم ، ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=885633فقام إليه رجل يقال له : الخرباق ، وكان في يده طول . وهذا صنيع من يوحد حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بحديث عمران ، وهو الراجح في نظري ، وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة ، ومن تبعه جنحوا إلى التعدد ، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين ، ففي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين ، وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد ، وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات ، وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة ، فأما الأول ، فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ، ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة ، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة ، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله . وأما الثاني ، فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله ، فإن كان كذلك ، وإلا فرواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه ، كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأبو دواد ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وابن خزيمة ، ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه ، كما أخرجه أبو بكر الأثرم ، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند ، nindex.php?page=showalam&ids=12211وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم . وقد تقدم في " باب تشبيك الأصابع " ما يدل على أن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين راوي الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما ، وذلك أنه قال في آخر حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : نبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم .
قوله : ( فقال : لم أنس ولم تقصر ) كذا في أكثر الطرق ، وهو صريح في نفي النسيان ونفي القصر ، وفيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند مسلم : " كل ذلك لم يكن " ، وتأييد لما قاله أصحاب المعاني : إن لفظ كل إذا تقدم وعقبها النفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع ، بخلاف ما إذا تأخرت ؛ كأن يقول : لم يكن كل ذلك ، ولهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=885634قد كان بعض ذلك " . وأجابه في هذه الرواية بقوله : " بلى قد نسيت " . لأنه لما نفى الأمرين ، وكان مقررا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا بالقصر ، وهو حجة لمن قال : إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع ، وإن كان عياض نقل الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية ، وخص الخلاف بالأفعال ، لكنهم تعقبوه . نعم ، اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه ، بل يقع له بيان ذلك إما متصلا بالفعل أو بعده ، كما وقع في هذا الحديث من قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=885635لم أنس ولم تقصر . ثم تبين أنه نسي ، ومعنى قوله : لم [ ص: 122 ] أنس ؛ أي في اعتقادي لا في نفس الأمر ، ويستفاد منه أن الاعتقاد عند فقد اليقين يقوم مقام اليقين ، وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره ، وأما من منع السهو مطلقا فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة ، فقيل : قوله : لم أنس ؛ نفي للنسيان ، ولا يلزم منه نفي السهو . وهذا قول من فرق بينهما ، وقد تقدم رده . ويكفي فيه قوله في هذه الرواية : " بلى قد نسيت " . وأقره على ذلك . وقيل : قوله : لم أنس ؛ على ظاهره وحقيقته ، وكان يتعمد ما يقع منه من ذلك ليقع التشريع منه بالفعل لكونه أبلغ من القول ، وتعقب بحديث ابن مسعود الماضي في " باب التوجه نحو القبلة " ، ففيه : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون . فأثبت العلة قبل الحكم ، وقيد الحكم بقوله : إنما أنا بشر . ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول : ليس نسيانه كنسياننا ، فقال : " كما تنسون " وبهذا الحديث يرد أيضا قول من قال : معنى قوله : ( لم أنس ) إنكار اللفظ الذي نفاه عن نفسه ، حيث قال : إني لا أنسى ، ولكن أنسى ، وإنكار اللفظ الذي أنكره على غيره حيث قال : بئسما لأحدكم أن يقول : نسيت آية كذا وكذا ، وقد تعقبوا هذا أيضا بأن حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=885636إني لا أنسى لا أصل له ، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد ، وأما الآخر فلا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء ، فإن الفرق بينهما واضح جدا ، وقيل : إن قوله : ( لم أنس ) راجع إلى السلام ؛ أي سلمت قصدا ، بانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا ، وهذا جيد ، وكأن ذا اليدين فهم العموم ، فقال : " بلى نسيت " وكأن هذا القول أوقع شكا احتاج معه إلى استثبات الحاضرين . وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل كون ذي اليدين عدلا ، ولم يقبل خبره بمفرده ، فسبب التوقف فيه كونه أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسئول مغاير لما في اعتقاده . وبهذا يجاب من قال : إن من أخبر بأمر حسي بحضرة جمع لا يخفى عليهم ، ولا يجوز عليهم التواطؤ ، ولا حامل لهم على السكوت عنه ، ثم لم يكذبوه أنه لا يقطع بصدقه ، فإن سبب عدم القطع كون خبره معارضا باعتقاد المسئول خلاف ما أخبر به . وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر ، وكان المجلس متحدا أو منعت العادة >[1] غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره . وفيه العمل بالاستصحاب ، لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام فسأل ، مع كون أفعال النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع ، والأصل عدم السهو ، والوقت قابل للنسخ ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا . والسرعان : هم الذين بنوا على النسخ فجزموا بأن الصلاة قصرت فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام . وفيه جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوا ، قال سحنون : إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين ، لأن ذلك وقع على غير القياس ، فيقتصر به على مورد النص ، وألزم بقصر ذلك على إحدى صلاتي العشي ، فيمنعه مثلا في الصبح ، والذين قالوا : يجوز البناء مطلقا ، قيدوه بما إذا لم يطل الفصل ، واختلفوا في قدر الطول ، فحده nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم " بالعرف ، وفي البويطي بقدر ركعة ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : قدر الصلاة التي يقع السهو فيها . وفيه أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام ، وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوا لا يقطع الصلاة ، وأن سجود السهو بعد السلام ، وقد تقدم البحث فيه ، وأن الكلام سهوا لا يقطع الصلاة خلافا للحنفية . وأما قول بعضهم إن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة فضعيف ؛ لأنه اعتمد على قول الزهري [ ص: 123 ] أنها كانت قبل بدر ، وقد قدمنا أنه إما وهم في ذلك ، أو تعددت القصة لذي الشمالين المقتول ببدر ، ولذي اليدين الذي تأخرت وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت شهود nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة للقصة كما تقدم ، وشهدها عمران بن حصين وإسلامه متأخر أيضا . وروى معاوية بن حديج - بمهملة وجيم ، مصغرا - قصة أخرى في السهو ، ووقع فيها الكلام ، ثم البناء ، أخرجها أبو داود ، وابن خزيمة وغيرهما وكان إسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين ، وقال ابن بطال : يحتمل أن يكون قول nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم : " ونهينا عن الكلام " ؛ أي إلا إذا وقع سهوا أو عمدا لمصلحة الصلاة ، فلا يعارض قصة ذي اليدين . انتهى . وسيأتي البحث في الكلام العمد لمصلحة الصلاة بعد هذا . واستدل به على أن المقدر في حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=885637رفع عن أمتي الخطأ والنسيان . ؛ أي إثمهما ، وحكمهما خلافا لمن قصره على الإثم ، واستدل به على أن تعمد الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها ، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم إلا ناسيا ، وأما قول ذي اليدين له : بلى قد نسيت . ، وقول الصحابة له : " صدق ذو اليدين " ، فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن وقوعه فيه فتكلموا ظنا أنهم ليسوا في صلاة ، كذا قيل ، وهو فاسد ، لأنهم كلموه بعد قوله صلى الله عليه وسلم : " لم تقصر " ، وأجيب بأنهم لم ينطقوا ، وإنما أومئوا كما عند أبي داود في رواية ساق مسلم إسنادها ، وهذا اعتمده nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وقال : حمل القول على الإشارة مجاز سائغ بخلاف عكسه ، فينبني رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه ، وهو قوي ، وهو أقوى من قول غيره : يحمل على أن بعضهم قال بالنطق ، وبعضهم بالإشارة ، لكن يبقى قول ذي اليدين : " بلى قد نسيت " ، ويجاب عنه وعن البقية على تقدير ترجيح أنهم نطقوا بأن كلامهم كان جوابا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابه : لا يقطع الصلاة ، كما سيأتي البحث فيه في تفسير سورة الأنفال ، وتعقب بأنه لا يلزم من وجوب الإجابة عدم قطع الصلاة ، وأجيب بأنه ثبت مخاطبته في التشهد وهو حي بقولهم : nindex.php?page=hadith&LINKID=884705السلام عليك أيها النبي . ولم تفسد الصلاة ، والظاهر أن ذلك من خصائصه ، ويحتمل أن يقال : ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يراجع المصلي فجائز له جوابه حتى تنقضي المراجعة ، فلا يختص الجواز بالجواب لقول ذي اليدين : " بلى قد نسيت " ، ولم تبطل صلاته ، والله أعلم . وفيه أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر السهو - ولو اختلف الجنس - خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13760للأوزاعي ، وروى ابن أبي شيبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي أن لكل سهو سجدتين ، وورد على وفقه حديث ثوبان عند أحمد ، وإسناده منقطع ، وحمل على أن معناه أن من سها بأي سهو كان شرع له السجود ؛ أي لا يختص بما سجد فيه الشارع ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث عائشة : nindex.php?page=hadith&LINKID=885638سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان . وفيه أن اليقين لا يترك إلا باليقين ، لأن ذا اليدين كان على يقين أن فرضهم الأربع ، فلما اقتصر فيها على اثنتين سأل عن ذلك ، ولم ينكر عليه سؤاله . وفيه أن الظن قد يصير يقينا بخبر أهل الصدق ، وهذا مبني على أنه صلى الله عليه وسلم رجع لخبر الجماعة ، واستدل به على أن الإمام يرجع لقول المأمومين في أفعال الصلاة ، ولو لم يتذكر ، وبه قال مالك ، وأحمد وغيرهما ، ومنهم من قيده بما إذا كان الإمام مجوزا لوقوع السهو منه ، بخلاف ما إذا كان متحققا لخلاف ذلك أخذا من ترك رجوعه صلى الله عليه وسلم لذي اليدين ورجوعه للصحابة ، ومن حجتهم قوله في حديث ابن مسعود الماضي : nindex.php?page=hadith&LINKID=883941فإذا نسيت فذكروني . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : معنى قوله : " فذكروني " ؛ أي لأتذكر ، ولا يلزم منه أن يرجع لمجرد إخبارهم ، واحتمال كونه تذكر عند إخبارهم لا يدفع ، وقد تقدم في " باب هل يأخذ الإمام بقول الناس " من أبواب الإمامة ما يقوي [ ص: 124 ] ذلك . وفرق بعض المالكية والشافعية أيضا بين ما إذا كان المخبرون ممن يحصل العلم بخبرهم فيقبل ويقدم على ظن الإمام أنه قد كمل الصلاة بخلاف غيرهم ، واستنبط منه بعض العلماء القائلين بالرجوع اشتراط العدد في مثل هذا ، وألحقوه بالشهادة ، وفرعوا عليه أن الحاكم إذا نسي حكمه ، وشهد به شاهدان أنه يعتمد عليهما ، واستدل به الحنفية على أن الهلال لا يقبل بشهادة الآحاد إذا كانت السماء مصحية ، بل لا بد فيه من عدد الاستفاضة ، وتعقب بأن سبب الاستثبات كونه أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف رؤية الهلال ، فإن الأبصار ليست متساوية في رؤيته ، بل متفاوتة قطعا ، وعلى أن من سلم معتقدا أنه أتم ثم طرأ عليه شك : هل أتم أو نقص ، أنه يكتفي باعتقاده الأول ، ولا يجب عليه الأخذ باليقين ، ووجهه أن ذا اليدين لما أخبر ، أثار خبره شكا ، ومع ذلك لم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى استثبت . واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على جواز تشبيك الأصابع في المسجد ، وقد تقدم في أبواب المساجد ، وعلى أن الإمام يرجع لقول المأمومين إذا شك ، وقد تقدم في الإمامة ، وعلى جواز التعريف باللقب ، وسيأتي في كتاب الأدب ، إن شاء الله تعالى ، وعلى الترجيح بكثرة الرواة ، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المقصود كان تقوية الأمر المسئول عنه ، لا ترجيح خبر على خبر .