قوله : ( وقول الله عز وجل : وبشر الصابرين ) في رواية كريمة والأصيلي : " وقال الله " ، وأراد بذلك الآية التي في البقرة ، وقد وصف فيها الصابرون بقوله تعالى : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون فكأن المصنف أراد تقييد ما أطلق في الحديث بهذه الآية الدالة على ترك القلق والجزع ، ولفظ " المصيبة " في الآية ، وإن كان عاما لكنه يتناول المصيبة بالولد ، فهو من أفراده .
[ ص: 144 ] قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز ) هو ابن صهيب ، وصرح به في رواية ابن ماجه ، nindex.php?page=showalam&ids=13779والإسماعيلي من هذا الوجه ، والإسناد كله بصريون .
قوله : ( يتوفى له ) بضم أوله ، ووقع في رواية ابن ماجه المذكورة : " ما من مسلمين يتوفى لهما " . والظاهر أن المراد من ولده الرجل حقيقة ، ويدل عليه رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي المذكورة من طريق حفص ، عن أنس ، ففيها : " ثلاثة من صلبه " . وكذا حديث عقبة بن عامر : وهل يدخل في الأولاد أولاد الأولاد ؟ محل بحث ، والذي يظهر أن أولاد الصلب يدخلون ولا سيما عند فقد الوسائط بينهم وبين الأب ، وفي التقييد بكونهم من صلبه ما يدل على إخراج أولاد البنات .
قوله : ( ثلاثة ) كذا للأكثر ، وهو الموجود في غير nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ووقع في رواية الأصيلي وكريمة : " ثلاث " بحذف الهاء ، وهو جائز لكون المميز محذوفا .
قوله : ( لم يبلغوا الحنث ) كذا للجميع بكسر المهملة وسكون النون ، بعدها مثلثة ، وحكى ابن قرقول ، عن الداودي أنه ضبطه بفتح المعجمة والموحدة ، وفسره بأن المراد لم يبلغوا أن يعملوا المعاصي . قال : ولم يذكره كذلك غيره ، والمحفوظ : الأول ؛ والمعنى : لم يبلغوا الحلم ، فتكتب عليهم الآثام . قال الخليل : بلغ الغلام الحنث إذا جرى عليه القلم ، والحنث : الذنب ، قال الله تعالى : وكانوا يصرون على الحنث العظيم ، وقيل : المراد : بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث . وقال الراغب : عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله ، وخص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ ، لأن الصبي قد يثاب ، وخص الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم ، والحب له أشد ، والرحمة له أوفر ، وعلى هذا ، فمن بلغ الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب ، وإن كان في فقد الولد أجر في الجملة ، وبهذا صرح كثير من العلماء ، وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضي لعدم الرحمة بخلاف الصغير ، فإنه لا يتصور منه ذلك إذ ليس بمخاطب ، وقال الزين بن المنير : بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوى ، لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه ، فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ، ووصل له منه النفع ، وتوجه إليه الخطاب بالحقوق ؟ قال : ولعل هذا هو السر في إلغاء nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري التقييد بذلك في الترجمة . انتهى . ويقوي الأول قوله في بقية الحديث : " بفضل رحمته إياهم " ، لأن الرحمة للصغار أكثر لعدم حصول الإثم [ ص: 145 ] منهم . وهل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا ، واستمر على ذلك فمات ؟ فيه نظر ، لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضي الإلحاق ، وكون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضي عدمه ، ولم يقع التقييد في طرق الحديث بشدة الحب ولا عدمه ، وكان القياس يقتضي ذلك ، لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده وتبرمه منه ، ولا سيما من كان ضيق الحال ، لكن لما كان الولد مظنة المحبة والشفقة نيط به الحكم ، وإن تخلف في بعض الأفراد .
قوله ( إلا أدخله الله الجنة ) في حديث عتبة بن عبد الله السلمي عند ابن ماجه بإسناد حسن نحو حديث الباب ، لكن فيه : " إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل " . وهذا زائد على مطلق دخول الجنة ، ويشهد له ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بإسناد صحيح من حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه مرفوعا في أثناء حديث : ما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك .
قوله ( بفضل رحمته إياهم ) ، أي بفضل رحمة الله للأولاد . وقال ابن التين : قيل : إن الضمير في رحمته للأب ، لكونه كان يرحمهم في الدنيا ، فيجازى بالرحمة في الآخرة والأول أولى ، ويؤيده أن في رواية ابن ماجه من هذا الوجه : " بفضل رحمة الله إياهم " . nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من حديث أبي ذر : " إلا غفر الله لهما بفضل رحمته " . nindex.php?page=showalam&ids=14687وللطبراني ، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من حديث الحارث بن أقيش ، وهو بقاف ومعجمة مصغر ، مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=885676ما من مسلمين يموت لهما أربعة أولاد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته . وكذا في حديث nindex.php?page=showalam&ids=81عمرو بن عبسة ، كما سنذكره قريبا . وقال الكرماني : الظاهر أن المراد بقوله : " إياهم " جنس المسلم الذي مات أولاده ، لا الأولاد ، أي بفضل رحمة الله لمن مات لهم ، قال : وساغ الجمع لكونه نكرة في سياق النفي فتعم . انتهى . وهذا الذي زعم أنه ظاهر ليس بظاهر ، بل في غير هذا الطريق ما يدل على أن الضمير للأولاد ، ففي حديث nindex.php?page=showalam&ids=81عمرو بن عبسة عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : " إلا أدخله الله برحمته هو وإياهم الجنة " . وفي حديث أبي ثعلبة الأشجعي المقدم ذكره : " nindex.php?page=hadith&LINKID=885677أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " . قاله بعد قوله : " من مات له ولدان " ، فوضح بذلك أن الضمير في قوله : " إياهم " للأولاد لا للآباء ، والله أعلم .