[ ص: 199 ] قوله : ( باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن . ) يعرف مبني للمجهول ، و " من " : موصولة ، والضمير لها ، ويحتمل أن يكون لمصدر جلس ؛ أي جلوسا يعرف ، ولم يفصح المصنف بحكم هذه المسألة ، ولا التي بعدها حيث ترجم : " من لم يظهر حزنه عند المصيبة " . لأن كلا منهما قابل للترجيح ، أما الأول فلكونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني من تقريره ، وما يباشره بالفعل أرجح غالبا . وأما الثاني فلأنه فعل أبلغ في الصبر ، وأزحر للنفس فيرجح ، ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم المذكور على بيان الجواز ، ويكون فعله في حقه في تلك الحالة أولى . وقال الزين بن المنير ما ملخصه : موقع هذه الترجمة من الفقه أن الاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم ، فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن ، حتى يقع في المحذور من اللطم والشق والنوح وغيرها ، ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب ، فيقتدى به صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار وسكينة تظهر عليه مخايل الحزن ، ويؤذن بأن المصيبة عظيمة .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16503عبد الوهاب ) هو ابن عبد المجيد الثقفي ، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري .
قوله : ( لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ) هو بالنصب على المفعولية . والفاعل قوله : ( قتل ابن حارثة ) ، وهو زيد ، وأبوه بالمهملة والمثلثة . nindex.php?page=showalam&ids=315وجعفر هو ابن أبي طالب ، وابن رواحة هو عبد الله . وكان قتلهم في غزوة مؤتة كما تقدم ذكره في رابع باب من كتاب الجنائز ، ووقع تسمية الثلاثة في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق معاوية بن صالح ، عن يحيى بن سعد ، وساق مسلم إسناده دون المتن .
قوله : ( جلس ) زاد أبو داود من طريق سليمان بن كثير ، عن يحيى : " في المسجد " .
قوله : ( يعرف فيه الحزن ) قال الطيبي : كأنه كظم الحزن كظما ، فظهر منه ما لا بد للجبلة البشرية منه .
قوله : ( صائر الباب ) بالمهملة والتحتانية ، وقع تفسيره في نفس الحديث : شق الباب وهو بفتح الشين المعجمة ؛ أي الموضع الذي ينظر منه ، ولم يرد بكسر المعجمة ؛ أي الناحية إذ ليست مرادة هنا قاله ابن التين . وهذا التفسير الظاهر أنه من قول عائشة ، ويحتمل أن يكون ممن بعدها ، قال المازري : كذا وقع في الصحيحين [ ص: 200 ] هنا " صائر " والصواب : صير ؛ أي بكسر أوله وسكون التحتانية ، وهو الشق ، قال أبو عبيد في غريب الحديث في الكلام على حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=885752من نظر من صير الباب ففقئت عينه ، فهي هدر . الصير : الشق ، ولم نسمعه إلا في هذا الحديث ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : صائر وصير بمعنى واحد ، وفي كلام nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي نحوه .
قوله : ( فأتاه رجل ) لم أقف على اسمه ، وكأنه أبهم عمدا لما وقع في حقه من غض عائشة منه .
قوله : ( إن نساء جعفر ) أي امرأته - وهي nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس الخثعمية - ومن حضر عندها من أقاربها ، وأقارب جعفر ، ومن في معناهن . ولم يذكر أهل العلم بالأخبار لجعفر امرأة غير أسماء .
قوله : ( وذكر بكاءهن ) كذا في الصحيحين ، قال الطيبي : هو حال عن المستتر في قوله : فقال . وحذف خبر إن من القول المحكي لدلالة الحال عليه . والمعنى قال الرجل : إن نساء جعفر فعلن كذا مما لا ينبغي من البكاء المشتمل مثلا على النوح . انتهى . وقد وقع عند أبي عوانة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال ، عن يحيى : " قد كثر بكاؤهن " . فإن لم يكن تصحيفا فلا حذف ولا تقدير ، ويؤيده ما عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق عبد الله بن عمرو ، عن يحيى بلفظ : " قد أكثرن بكاءهن " .
قوله : ( فذهب ) ؛ أي فنهاهن فلم يطعنه .
قوله : ( ثم أتاه الثانية لم يطعنه ) ؛ أي أتى النبي صلى الله عليه وسلم المرة الثانية فقال : إنهن لم يطعنه ، ووقع في رواية أبي عوانة المذكورة : " فذكر أنهن لم يطعنه " .
قوله : ( قال : والله غلبننا ) في رواية الكشميهني " لقد غلبننا " .
قوله : ( فزعمت ) أي عائشة وهو مقول عمرة ، والزعم قد يطلق على القول المحقق ، وهو المراد هنا .
قوله : ( أنه قال ) في الرواية الآتية بعد أربعة أبواب : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " .
قوله : ( التراب ) في الرواية الآتية : " من التراب " . قال القرطبي : هذا يدل على أنهن رفعن أصواتهن بالبكاء ، فلما لم ينتهين أمره أن يسد أفواههن بذلك ، وخص الأفواه بذلك لأنها محل النوح بخلاف الأعين مثلا . انتهى . ويحتمل أن يكون كناية عن المبالغة في الزجر ، أو المعنى : أعلمهن أنهن خائبات من الأجر المترتب على الصبر لما أظهرن من الجزع كما يقال للخائب : لم يحصل في يده إلا التراب . لكن يبعد هذا الاحتمال قول عائشة الآتي . وقيل : لم يرد بالأمر حقيقته . قال عياض : هو بمعنى التعجيز ، أي أنهن لا يسكتن إلا بسد أفواههن ، ولا يسدها إلا أن تملأ بالتراب ، فإن أمكنك فافعل . وقال القرطبي : يحتمل أنهن لم يطعن الناهي لكونه لم يصرح لهن بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن ، فحمل ذلك على أنه مرشد للمصلحة من قبل نفسه ، أو علمن ذلك لكن غلب عليهن شدة الحزن لحرارة المصيبة . ثم الظاهر أنه كان في بكائهن زيادة على القدر المباح ، فيكون النهي للتحريم بدليل أنه كرره ، وبالغ فيه ، وأمر بعقوبتهن إن لم يسكتن . ويحتمل أن يكون بكاء مجردا ، والنهي للتنزيه ، ولو كان للتحريم لأرسل غير الرجل المذكور لمنعهن ، لأنه لا يقر على باطل . ويبعد تمادي الصحابيات بعد تكرار النهي على فعل الأمر المحرم ، وفائدة نهيهن عن الأمر المباح خشية أن يسترسلن فيه ، فيفضي بهن إلى الأمر المحرم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يحرم .
[ ص: 201 ] قوله : ( فقلت ) هو مقول عائشة .
قوله : ( أرغم الله أنفك ) بالراء والمعجمة أي ألصقه بالرغام بفتح الراء والمعجمة ، وهو التراب إهانة وإذلالا ، ودعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة تردده إليه في ذلك .
قوله : ( لم تفعل ) قال الكرماني : أي لم تبلغ النهي ، ونفته وإن كان قد نهى ، ولم يطعنه ، لأن نهيه لم يترتب عليه الامتثال ، فكأنه لم يفعل ، ويحتمل أن تكون أرادت لم تفعل ؛ أي الحثو بالتراب . قلت : لفظة " لم " يعبر بها عن الماضي ، وقولها ذلك وقع قبل أن يتوجه ، فمن أين علمت أنه لم يفعل ؟ فالظاهر أنها قامت عندها قرينة بأنه لا يفعل ، فعبرت عنه بلفظ الماضي مبالغة في نفي ذلك عنه ، وهو مشعر بأن الرجل المذكور كان من ألزام >[1] . النسوة المذكورات ، وقد وقع في الرواية الآتية بعد أربعة أبواب : " فوالله ما أنت بفاعل ذلك " . وكذا لمسلم وغيره ، فظهر أنه من تصرف الرواة .
قوله : ( من العناء ) بفتح المهملة والنون والمد ؛ أي المشقة والتعب ، وفي رواية لمسلم : " من العي " بكسر المهملة وتشديد التحتانية ، ووقع في رواية العذري : " الغي " بفتح المعجمة ، بلفظ ضد الرشد . قال عياض : ولا وجه له هنا . وتعقب بأن له وجها ، ولكن الأول أليق لموافقته لمعنى العناء التي هي رواية الأكثر ، قال النووي مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب ، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب .
( تنبيه ) : هذا الحديث لم يروه عن عمرة إلا يحيى بن سعيد ، وقد رواه عن عائشة أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، أخرجه ابن إسحاق في المغازي ، قال : " حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه " . فذكر نحوه . وفيه من الزيادة في أوله : قالت عائشة : وقد نهانا خير الناس عن التكلف . >[2]