[ ص: 271 ] قوله : ( باب ثناء الناس على الميت ) أي مشروعيته وجوازه مطلقا ، بخلاف الحي فإنه منهي عنه إذا أفضى إلى الإطراء خشية عليه من الزهو ، أشار إلى ذلك الزين بن المنير .
قوله : ( وجبت ) في رواية إسماعيل بن علية ، عن عبد العزيز عند مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=885856وجبت وجبت وجبت . ثلاث مرات . وكذا في رواية النضر المذكورة ، قال النووي : والتكرار فيه لتأكيد الكلام المبهم ليحفظ ويكون أبلغ .
قوله : ( قال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ) فيه بيان لأن المراد بقوله : " وجبت " ؛ أي الجنة لذي الخير ، والنار لذي الشر ، والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب ، والأصل أنه لا يجب على الله شيء ، بل الثواب فضله ، والعقاب عدله ، لا يسأل عما يفعل . وفي رواية مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=885858من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة . ونحوه للإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق ، عن شعبة ، وهو أبين في العموم من رواية آدم ، وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطلع الله نبيه عليه ، وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به .
قوله : ( حدثنا عفان ) كذا للأكثر . وذكر أصحاب الأطراف أنه أخرجه قائلا فيه : " قال عفان " . وبذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي . وقد وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن عفان به ، ومن طريقه أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، وأبو نعيم .
قوله : ( حدثنا داود بن أبي الفرات ) هو بلفظ النهر المشهور ، واسمه عمرو ، وهو كندي من أهل مرو . ولهم شيخ آخر يقال له : داود بن أبي الفرات ، اسم أبيه بكر ، وأبو الفرات اسم جده ، وهو أشجعي من أهل المدينة ، أقدم من الكندي .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=11822أبي الأسود ) هو الديلي التابعي الكبير المشهور ، ولم أره من رواية عبد الله بن بريدة عنه إلا معنعنا . وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في " كتاب التتبع " عن nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، أن ابن بريدة إنما يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود ، ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود . قلت : وابن بريدة ولد في عهد عمر ، فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب ، لكن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لا يكتفي بالمعاصرة >[1] فلعله أخرجه شاهدا ، واكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله ، والله أعلم .
قوله : ( قدمت المدينة وقد وقع بها مرض ) زاد المصنف في الشهادات عن موسى بن إسماعيل ، عن داود : " وهم يموتون موتا ذريعا " . وهو بالذال المعجمة ؛ أي سريعا .
قوله : ( فأثني على صاحبها خيرا ) كذا في جميع الأصول " خيرا " بالنصب ، وكذا " شرا " وقد غلط من ضبط أثنى بفتح الهمزة على البناء للفاعل ، فإنه في جميع الأصول مبني للمفعول ، قال ابن التين : والصواب الرفع وفي نصبه بعد في اللسان . ووجهه غيره بأن الجار والمجرور أقيم مقام المفعول الأول و ( خيرا ) مقام الثاني ، وهو جائز وإن كان المشهور عكسه . وقال النووي : هو منصوب بنزع الخافض ، أي أثني عليها بخير . وقال ابن مالك : " خيرا " صفة لمصدر محذوف ، فأقيمت مقامه فنصبت ، لأن " أثني " مسند إلى الجار والمجرور . قال : والتفاوت بين الإسناد إلى المصدر والإسناد إلى الجار والمجرور قليل .
قوله : ( فقال أبو الأسود ) هو الراوي ، وهو بالإسناد المذكور .
قوله : ( فقلت : وما وجبت ) هو معطوف على شيء مقدر ، أي قلت هذا شيء عجيب ، وما معنى قولك لكل منهما وجبت مع اختلاف الثناء بالخير والشر .
قوله : ( قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم إلخ ) الظاهر أن قوله : " أيما مسلم " هو المقول ، فحينئذ يكون قول عمر لكل منهما : " وجبت " قاله بناء على اعتقاده صدق الوعد المستفاد من قوله صلى الله [ ص: 273 ] عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=885862أدخله الله الجنة . وأما اقتصار عمر على ذكر أحد الشقين ، فهو إما للاختصار ، وإما لإحالته السامع على القياس ، والأول أظهر ، وعرف من القصة أن المثني على كل من الجنائز المذكورة كان أكثر من واحد ، وكذا في قول عمر : قلنا : وما وجبت ؟ . إشارة إلى أن السائل عن ذلك هو وغيره . وقد وقع في تفسير قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا في البقرة عند ابن أبي حاتم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن أبي بن كعب ممن سأل عن ذلك .
قوله : ( فقلنا وثلاثة ) فيه اعتبار مفهوم الموافقة ، لأنه سأل عن الثلاثة ولم يسأل عما فوق الأربعة كالخمسة مثلا ، وفيه أن مفهوم العدد ليس دليلا قطعيا ، بل هو في مقام الاحتمال .
قوله : ( ثم لم نسأله عن الواحد ) قال الزين بن المنير : إنما لم يسأل عمر عن الواحد استبعادا منه أن يكتفى في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب ، وقال أخوه في الحاشية : فيه إيماء إلى الاكتفاء بالتزكية بواحد . كذا قال ، وفيه غموض . وقد استدل به المصنف على أن أقل ما يكتفى به في الشهادة اثنان كما سيأتي في كتاب الشهادات ، إن شاء الله تعالى . قال الداودي : المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق ، لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم ، ولا من بينه وبين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا تقبل . وفي الحديث فضيلة هذه الأمة ، وإعمال الحكم بالظاهر . ونقل الطيبي عن بعض شراح " المصابيح " قال : ليس معنى قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=885859أنتم شهداء الله في الأرض . أن الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم ، ولا العكس ، بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرا رأوه منه ، كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة ، وبالعكس . وتعقبه الطيبي بأن قوله : " وجبت " بعد الثناء حكم عقب وصفا مناسبا فأشعر بالعلية . وكذا قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=885859أنتم شهداء الله في الأرض . لأن الإضافة فيه للتشريف ، لأنهم بمنزلة عالية عند الله ، فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم ، فينبغي أن يكون لها أثر . قال : وإلى هذا يومئ قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية . قلت : وقد استشهد nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي لما روي عن جابر نحو حديث أنس بهذه الآية ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم . وقد وقع ذلك في حديث مرفوع غيره عند ابن أبي حاتم في التفسير ، وفيه أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=885863ما قولك وجبت . هو أبي بن كعب . وقال النووي : قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل - وكان ذلك مطابقا للواقع - فهو من أهل الجنة ، فإن كان غير مطابق فلا ، وكذا عكسه . قال : والصحيح أنه على عمومه ، وأن من مات منهم ، فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا ، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة ، وهذا إلهام يستدل به على تعيينها ، وبهذا تظهر فائدة الثناء . انتهى . وهذا في جانب الخير واضح ، ويؤيده ما رواه أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=885864ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى : قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون . nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة نحوه . وقال : " ثلاثة " بدل أربعة وفي إسناده من لم يسم ، وله شاهد من مراسيل بشير بن كعب ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15061أبو مسلم الكجي . وأما جانب الشر ، فظاهر الأحاديث أنه كذلك ، لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره ، وقد وقع في رواية النضر المشار إليها أولا في آخر حديث أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=885865إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير [ ص: 274 ] والشر . واستدل به على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة ، ولا يكون ذلك من الغيبة . وسيأتي البحث عن ذلك في " باب النهي عن سب الأموات " آخر الجنائز ، وهو أصل في قبول الشهادة بالاستفاضة ، وأن أقل أصلها اثنان . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد ، وقبولها قبل الاستفصال . وفيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة والمشاكلة ، وحقيقته إنما هي في الخير . والله أعلم .