[ ص: 275 ] قوله : ( باب ما جاء في عذاب القبر ) لم يتعرض المصنف في الترجمة لكون عذاب القبر يقع على الروح فقط أو عليها وعلى الجسد ، وفيه خلاف شهير عند المتكلمين ، وكأنه تركه لأن الأدلة التي يرضاها ليست قاطعة في أحد الأمرين ، فلم يتقلد الحكم في ذلك واكتفى بإثبات وجوده ، خلافا لمن نفاه مطلقا من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=15211وبشر المريسي ومن وافقهما ، وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم ، وأكثروا من الاحتجاج له . وذهب بعض المعتزلة كالجياني إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين ، وبعض الأحاديث الآتية ترد عليهم أيضا .
قوله : ( وقوله تعالى ) بالجر عطفا على عذاب القبر ، أي ما ورد في تفسير الآيات المذكورة . وكأن المصنف قدم ذكر هذه الآيات لينبه على ثبوت ذكره في القرآن ، خلافا لمن رده وزعم أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد . فأما الآية التي في الأنعام ، فروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم قال : هذا عند الموت ، والبسط : الضرب ؛ يضربون وجوههم وأدبارهم . انتهى . ويشهد له قوله تعالى في سورة القتال : فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وهذا وإن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة ، وإنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه ، ولكون الغالب على الموتى أن [ ص: 276 ] يقبروا ، وإلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن ، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا من شاء الله . قوله : ( وقوله جل ذكره : سنعذبهم مرتين وروى الطبري ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الأوسط أيضا من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=885866خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فقال : اخرج يا فلان ، فإنك منافق . . . " فذكر الحديث . وفيه : ففضح الله المنافقين . فهذا العذاب الأول ، والعذاب الثاني عذاب القبر . ورويا أيضا من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة نحوه ، ومن طريق محمد بن ثور ، عن معمر عن الحسن : " سنعذبهم مرتين : عذاب الدنيا وعذاب القبر " . وعن محمد بن إسحاق قال " بلغني " فذكر نحوه . وقال الطبري بعد أن ذكر اختلافا عن غير هؤلاء : والأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر ، والأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع أو السبي أو القتل أو الإذلال أو غير ذلك .
قوله : ( وقوله تعالى : وحاق بآل فرعون الآية . روى الطبري من طريق الثوري ، عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل قال : أرواح آل فرعون في طيور سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها . ووصله ابن أبي حاتم من طريق ليث ، عن أبي قيس فذكر nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود فيه ، وليث ضعيف ، وسيأتي بعد بابين في الكلام على حديث ابن عمر بيان أن هذا العرض يكون في الدنيا قبل يوم القيامة . قال القرطبي : الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر . وقال غيره : وقع ذكر عذاب الدارين في هذه الآية مفسرا مبينا ، لكنه حجة على من أنكر عذاب القبر مطلقا لا على من خصه بالكفار . واستدل بها على أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد ، وهو قول أهل السنة كما سيأتي . واحتج بالآية الأولى على أن النفس والروح شيء واحد لقوله تعالى : أخرجوا أنفسكم والمراد الأرواح ، وهي مسألة مشهورة فيها أقوال كثيرة ، وستأتي الإشارة إلى شيء منها في التفسير عند قوله تعالى : ويسألونك عن الروح الآية .
ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث :
أولها حديث البراء في قوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت وقد أورد المصنف في التفسير عن nindex.php?page=showalam&ids=11928أبي الوليد الطيالسي ، عن شعبة ، وصرح فيه بالإخبار بين شعبة ، وعلقمة ، وبالسماع بين علقمة ، وسعد بن عبيدة .
قوله : ( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14170الحموي ، nindex.php?page=showalam&ids=15230والمستملي " ثم يشهد " هكذا ساقه المصنف بهذا اللفظ ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، عن أبي خليفة ، عن حفص بن عمر شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه بلفظ أبين من لفظه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=885867إن المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله ، وعرف محمدا في قبره ، فذلك قوله . . . إلخ . وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه وغيره بلفظ : إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عذاب القبر ، فقال : إن المسلم إذا شهد أن لا إله إلا الله وعرف أن محمدا رسول الله . الحديث .