[ ص: 273 ] قوله : ( حدثني أبي ) هو nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام بن أبي عبد الله الدستوائي .
قوله : ( رديفه ) أي : راكب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والجملة حالية والرحل بإسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير لكن معاذ كان في تلك الحالة رديفه - صلى الله عليه وسلم - على حمار كما يأتي في الجهاد .
قوله : ( قال : يا معاذ بن جبل ) هو خبر " أن " المتقدمة ، وابن جبل بفتح النون ، وأما معاذ فبالضم لأنه منادى مفرد علم ، وهذا اختيار ابن مالك لعدم احتياجه إلى تقدير ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب النصب على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف ، والمنادى المضاف منصوب ، وقال ابن التين : يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد ، فالتقدير يا ابن جبل ، وهو يرجع إلى كلام nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب بتأويل .
قوله . ( قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ) اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة ، والسعد المساعدة ، كأنه قال : لبا لك وإسعادا لك ; ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير ، أي : إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد . وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك ، وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .
قوله : ( ثلاثا ) أي : النداء والإجابة قيلا ثلاثا ، وصرح بذلك في رواية مسلم ، ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه .
قوله : ( صدقا ) فيه احتراز عن شهادة المنافق . وقوله : " من قلبه " يمكن أن يتعلق بصدقا أي : يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ، ويمكن أن يتعلق بيشهد أي : يشهد بقلبه ، والأول أولى . وقال الطيبي : قوله " صدقا " أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه ، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى : والذي جاء بالصدق وصدق به أي : حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا ، انتهى . وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر ; لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد ، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة ، فعلم أن ظاهره غير مراد ، فكأنه قال : إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة . قال : ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به . وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى : منها أن مطلقه مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك . ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض ، وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة كما رواه مسلم ، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض ، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن ، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة . ومنها أنه خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية . ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها . ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين . ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها ، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد . والعلم عند الله تعالى .
قوله : ( فيستبشرون ) كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون ، وللباقين بحذف النون ، وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك .
[ ص: 274 ] قوله : ( إذا يتكلوا ) بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف ، وهو جواب وجزاء أي : إن أخبرتهم يتكلوا . وللأصيلي nindex.php?page=showalam&ids=15086والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره ، وروى البزار بإسناد حسن من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لمعاذ في التبشير ، فلقيه عمر فقال : لا تعجل . ثم دخل فقال : يا نبي الله أنت أفضل رأيا ، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها ، قال فرده . وهذا معدود من موافقات عمر ، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته - صلى الله عليه وسلم - . واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله : " يتكلوا " على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله >[1] .
قوله : ( عند موته ) أي : موت معاذ . وأغرب الكرماني فقال : يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا . . فذكره .
قوله : ( تأثما ) هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة ، أي : خشية الوقوع في الإثم ، وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله : " يتحنث " . والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم ، ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم ، وإلا لما كان يخبر به أصلا . أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبره به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد ، والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته . وقال القاضي عياض : لعل معاذا لم يفهم النهي ، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم . قلت : والرواية الآتية صريحة في النهي ، فالأولى ما تقدم . وفي الحديث جواز الإرداف ، وبيان تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر . وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه ، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده .