[ ص: 357 ] قوله : ( باب قول الله تعالى : فأما من أعطى واتقى الآية ) قال الزين بن المنير : أدخل هذه الترجمة بين أبواب الترغيب في الصدقة ليفهم أن المقصود الخاص بها الترغيب في الإنفاق في وجوه البر ، وأن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل زيادة على الثواب الآجل .
قوله : ( اللهم أعط منفق مال خلفا ) قال الكرماني : هو معطوف على الآية وحذف أداة العطف كثير ، وهو مذكور على سبيل البيان للحسنى ، أي : تيسير الحسنى له إعطاء الخلف . قلت : قد أخرج الطبري من طرق متعددة عن ابن عباس في هذه الآية قال : أعطى مما عنده واتقى ربه ، وصدق بالخلف من الله تعالى . ثم حكى عن غيره أقوالا أخرى قال : وأشبهها بالصواب قول ابن عباس . والذي يظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة ، وهو بين فيما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة : " حدثني خالد العصري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مرفوعا " ، نحو حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور في الباب ، وزاد في آخره : فأنزل الله في ذلك : فأما من أعطى واتقى - إلى قوله - للعسرى ، وهو عند أحمد من هذا الوجه ، لكن ليس فيه آخره . وقوله : " منفق مال " ؛ بالإضافة . ولبعضهم : " منفقا مالا خلفا " ، ومالا مفعول منفق ، بدليل رواية الإضافة ولولاها احتمل أن يكون مفعول أعطى ، والأول أولى من جهة أخرى ، وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال ، فناسب أن يكون مفعول منفق ، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب وغيرهما ، وكم من متق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعد له في الآخرة ، أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك .
قوله : ( حدثنا إسماعيل حدثني أخي ) هو أبو بكر بن أبي أويس ، nindex.php?page=showalam&ids=16036وسليمان هو ابن بلال ، وأبو الحباب بضم المهملة وموحدتين ، الأولى خفيفة ، وسماه مسلم في روايته nindex.php?page=showalam&ids=11839سعيد بن يسار وهو عم معاوية الراوي عنه ، ومزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء الثقيلة ، واسم أبي مزرد عبد الرحمن ، وهذا الإسناد كله مدنيون .
[ ص: 358 ] قوله : ( إلا ملكان ) في حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء : " إلا وبجنبتيها ملكان " . والجنبة بسكون النون : الناحية . وقوله : " خلفا " ؛ أي : عوضا .
قوله : ( أعط ممسكا تلفا ) التعبير بالعطية في هذا للمشاكلة ، لأن التلف ليس بعطية . وأفاد حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما ، فنسب إليهما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع ، وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر ، والوعيد بالتعسير لعكسه . والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة ، وكذا دعاء الملك بالخلف يحتمل الأمرين ، وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال ، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها . قال النووي : الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات . وقال القرطبي : وهو يعم الواجبات والمندوبات ، لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه . وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث أبي موسى : " طيبة بها نفسه " . والله أعلم .