[ ص: 399 ] قوله : ( باب قول الله عز وجل : لا يسألون الناس إلحافا وكم الغنى ؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يجد غنى يغنيه " لقول الله عز وجل : للفقراء الذين أحصروا الآية ) هذه اللام التي في قوله : " لقول الله " لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة : " وكم الغنى " ، وكأنه يقول : وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا يجد غنى يغنيه " مبين لقدر الغنى ، لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة ، أي : من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني ، فحاصله أن شرط السؤال عدم [ ص: 400 ] وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بقوله : لا يستطيعون ضربا في الأرض إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى ، والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد ، أي : منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض - أي : التجارة - لاشتغالهم به عن التكسب ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية : كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد ، والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكسر الصاد أي : تجعل المرء كالمحاط به ، وللفقراء : يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء . انتهى . وأما قول المصنف في الترجمة : " وكم الغنى " فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه ، ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : " الذي لا يجد غنى يغنيه " . فإن معناه لا يجد شيئا يقع موقعا من حاجته ، فمن وجد ذلك كان غنيا . وقد ورد فيه ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=886151من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش ، قيل : يا رسول الله ، وما يغنيه ؟ قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أجل هذا الحديث ، وحدث به nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن حكيم فقيل له : إن شعبة لا يحدث عنه ، قال : لقد حدثني به زبيد أبو عبد الرحمن ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم ، أخرجه الترمذي أيضا ، ونص أحمد في " علل الخلال " وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة ، وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في " باب الاستعفاف " وفيه : " من سأل وله أوقية فقد ألحف " ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه بلفظ : " فهو ملحف " وفي الباب عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بلفظ : " فهو الملحف " ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=886152من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا . أخرجه أبو داود ، وعن سهل بن الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=886153من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار . فقالوا : يا رسول الله ، وما يغنيه ؟ قال : قدر ما يغديه ويعشيه : أخرجه أبو داود أيضا وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، قال الترمذي في حديث ابن مسعود : والعمل على هذا عند بعض أصحابنا nindex.php?page=showalam&ids=16004كالثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق . قال : ووسع قوم في ذلك فقالوا : إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج ، فله أن يأخذ من الزكاة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره من أهل العلم . انتهى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله . وفي المسألة مذاهب أخرى : أحدها قول أبي حنيفة : إن الغني من ملك نصابا ، فيحرم عليه أخذ الزكاة ، واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : " تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " . فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنى ، وقد قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=886154لا تحل الصدقة لغني . ثانيها أن حده " من وجد ما يغديه ويعشيه " ، على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن بعضهم ، ومنهم من قال : وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات . ثالثها أن حده أربعون درهما ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد ، وهو الظاهر من تصرف nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لأنه أتبع ذلك قوله : ( لا يسألون الناس إلحافا ) وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا .
ثم أورد المصنف في الباب أربعة أحاديث : أولها حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في ذكر المسكين أورده من طريقين ، والمسكين مفعيل من السكون ، قاله القرطبي ، قال : فكأنه من قلة المال سكنت حركاته ، ولذا قال تعالى : أو مسكينا ذا متربة أي : لاصق بالتراب .
[ ص: 401 ] قوله : ( الأكلة والأكلتان ) بالضم فيهما ، ويؤيده ما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج الآتية آخر الباب : " اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان " . وزاد فيه : " الذي يطوف على الناس " . قال أهل اللغة : الأكلة بالضم : اللقمة ، وبالفتح : المرة من الغداء والعشاء .
قوله : ( ليس له غنى ) زاد في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج غنى يغنيه ، وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي ، إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر ، وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار ، وهذا كقوله تعالى : لا يسألون الناس إلحافا .
قوله : ( ويستحي ) زاد في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج : " ولا يفطن به " . وفي رواية الكشميهني : " له فيتصدق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس " . وهو بنصب يتصدق ويسأل ، وموضع الترجمة منه قوله : " ليس له غنى " . وقد أورده المصنف في التفسير من طريق أخرى عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق ، ولفظه هناك : nindex.php?page=hadith&LINKID=886155إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرءوا إن شئتم - يعني - قوله : لا يسألون الناس إلحافا : كذا وقع فيه بزيادة يعني ، وقد أخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها ، وكذلك وقع فيه >[1] بزيادة ابن أبي حاتم في تفسيره .