قوله : ( باب ذات عرق لأهل العراق ) هي بكسر العين وسكون الراء ، بعدها قاف ، سمي بذلك ، لأن فيه عرقا ، وهو الجبل الصغير ، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء ، بينها وبين مكة مرحلتان ، والمسافة اثنان وأربعون ميلا ، وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة .
قوله : ( لما فتح هذان المصران ) كذا للأكثر بضم " فتح " على البناء لما لم يسم فاعله ، وفي رواية الكشميهني : " لما فتح هذين المصرين " بفتح الفاء والتاء على حذف الفاعل ، والتقدير : لما فتح الله . وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في " المستخرج " وبه جزم عياض ، وأما ابن مالك فقال : تنازع " فتح " و " أتوا " وهو على إعمال الثاني وإسناد الأول إلى ضمير عمر ، ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله مختصرا ، وزاد في الإسناد عن عمر أنه حد لأهل العراق ذات عرق ، والمصران تثنية مصر والمراد بهما الكوفة والبصرة ، وهما سرتا العراق ، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما ، وإلا فهما من تمصير المسلمين .
قوله : ( وهو جور ) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء أي ميل ، والجور الميل عن القصد ، ومنه قوله تعالى : ومنها جائر .
قوله : ( فانظروا حذوها ) أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا ، وظاهره أن عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد منه ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من طريق أبي الشعثاء ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502657لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا ، فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق ، وروى أحمد ، عن هشيم ، عن يحيى بن سعيد وغيره عن نافع ، عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت ، وزاد فيه : قال ابن عمر : فآثر الناس ذات عرق على قرن " . وله عن سفيان ، عن صدقة ، عن ابن عمر ، فذكر حديث المواقيت : " قال فقال له قائل : فأين العراق ؟ فقال ابن عمر : لم يكن يومئذ عراق " . وسيأتي في الاعتصام من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : لم يكن عراق يومئذ . ووقع في " غرائب مالك " nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني من طريق [ ص: 456 ] عبد الرزاق ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3502658وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرنا ، قال عبد الرزاق ، قال لي بعضهم : إن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا محاه من كتابه . قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : تفرد به عبد الرزاق . قلت : والإسناد إليه ثقات أثبات ، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ، وهو غريب جدا ، وحديث الباب يرده . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من طريق طاوس ، قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3502659لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ، ولم يكن حينئذ أهل المشرق ، وقال في " الأم " nindex.php?page=hadith&LINKID=3502660 : لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق ، وإنما أجمع عليه الناس وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصا ، وبه قطع nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي والرافعي في " شرح المسند " والنووي في " شرح مسلم " ، وكذا وقع في " المدونة " لمالك ، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في " الشرح الصغير " والنووي في " شرح المهذب " أنه منصوص ، وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه أخرجه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : " أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل ، فقال : سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم : " فذكره ، وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ : " فقال : سمعت أحسبه يريد النبي صلى الله عليه وسلم " . وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، فلم يشكا في رفعه . ووقع في حديث عائشة وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي ، كلاهما عند أحمد وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وهذا يدل على أن للحديث أصلا ، فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن مقال ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة : رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث . وقال ابن المنذر : لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا . انتهى . لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا . وأما إعلال من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هي غفلة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح ، لكنه علم أنها ستفتح ، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق انتهى . وبهذا أجاب nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي وآخرون ، لكن يظهر لي أن مراد من قال لم يكن العراق يومئذ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون ، والسبب في قول ابن عمر ذلك أنه روى الحديث بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3502661أن رجلا قال : يا رسول الله ، من أين تأمرنا أن نهل ؟ فأجابه . وكل جهة عينها في حديث ابن عمر كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق ، والله أعلم . وأما ما أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس ، nindex.php?page=hadith&LINKID=3502662أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق . فقد تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة ، منها أن ذات عرق ميقات الوجوب ، والعقيق ميقات الاستحباب ، لأنه أبعد من ذات عرق . ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن ، والآخر ميقات لأهل البصرة ، وقع ذلك في حديث لأنس عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وإسناده ضعيف . ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة ، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ، ويتعين الإحرام من العقيق ، ولم يقل به أحد ، وإنما قالوا : يستحب احتياطا ، وحكى ابن المنذر ، عن الحسن بن صالح أنه كان يحرم من الربذة وهو قول القاسم بن عبد الرحمن ، nindex.php?page=showalam&ids=15822وخصيف الجزري ، قال ابن المنذر : وهو أشبه في النظر إن كانت ذات عرق غير منصوصة ، وذلك أنها تحاذي ذا الحليفة ، وذات عرق بعدها ، والحكم فيمن ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه ، لكن لما سن عمر ذات عرق [ ص: 457 ] ، وتبعه عليه الصحابة ، واستمر عليه العمل كان أولى بالاتباع . واستدل به على أن من ليس له ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتا من هذه المواقيت الخمسة ، ولا شك أنها محيطة بالحرم ، فذو الحليفة شامية ، ويلملم يمانية ، فهي مقابلها ، وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى ، وقرن شرقية ، والجحفة غربية ، فهي مقابلها ، وإن كانت إحداهما كذلك ، وذات عرق تحاذي قرنا ، فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتا من هذه المواقيت ، فبطل قول من قال : من ليس له ميقات ، ولا يحاذي ميقاتا هل يحرم من مقدار أبعد من المواقيت أو أقربها ؟ ثم حكى فيه خلافا ، والفرض أن هذه الصورة لا تتحقق لما قلته إلا أن يكون قائله فرضه فيمن لم يطلع على المحاذاة كمن يجهلها ، وقد نقل النووي في " شرح المهذب " أنه يلزمه أن يحرم على مرحلتين اعتبارا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق ، وتعقب بأن عمر إنما حدها لأنها تحاذي قرنا ، وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة ، فلعل القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل لأن ما زاد عليه مشكوك فيه ، لكن مقتضى الأخذ بالاحتياط أن يعتبر الأكثر الأبعد ، ويحتمل أن يفرق بين من عن يمين الكعبة وبين من عن شمالها لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب من التي عن شمالها ، فيقدر لليمين الأقرب وللشمال الأبعد ، والله أعلم . ثم إن مشروعية المحاذاة مختصة بمن ليس له أمامه ميقات معين ، فأما من له ميقات معين كالمصري مثلا يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة ، فليس عليه أن يحرم منها ، بل له التأخير حتى يأتي الجحفة ، والله أعلم .
( تنبيه ) : العقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غوري تهامة ، وهو غير العقيق المذكور بعد بابين ، كما سيأتي بيانه .