قوله : ( باب : ما لا يلبس المحرم من الثياب ) المراد بالمحرم من أحرم بحج أو عمرة أو قرن ، وحكى ابن دقيق العيد أن ابن عبد السلام كان يستشكل معرفة حقيقة الإحرام ، يعني على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ويرد على من يقول إنه النية ، لأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه ، وشرط الشيء غيره ، ويعترض على من يقول : إنه التلبية بأنها ليست ركنا ، وكأنه يحوم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء . انتهى . والذي يظهر أنه مجموع الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية ونحو ذلك ، وسيأتي في آخر " باب التلبية " ما يتعلق بشيء من هذا الغرض .
قوله : ( أن رجلا قال : يا رسول الله ) لم أقف على اسمه في شيء من الطرق ، وسيأتي في " باب ما ينهى من الطيب للمحرم " ومن طريق الليث ، عن نافع بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502698ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام . وعند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عمر بن نافع ، عن أبيه : ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا . وهو مشعر بأن السؤال عن ذلك كان قبل الإحرام . وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، عن أبي بكر النيسابوري أن في رواية ابن جريج والليث ، عن نافع أن ذلك كان في المسجد ، ولم أر ذلك في شيء من الطرق عنهما . نعم أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق حماد بن زيد ، عن أيوب ، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء ، عن عبد الله بن عون ، كلاهما عن نافع ، عن ابن عمر قال : نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان . وأشار نافع إلى مقدم المسجد ، فذكر الحديث ، وظهر أن ذلك كان بالمدينة ، ووقع في حديث ابن عباس الآتي في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات ، فيحمل على التعدد ، ويؤيده أن حديث ابن عمر أجاب به السائل ، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة .
[ ص: 470 ] قوله : ( ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال : لا يلبس القمص . . . إلخ ) قال النووي : قال العلماء : هذا الجواب من بديع الكلام وجزله ، لأن ما لا يلبس منحصر ، فحصل التصريح به ، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر ، فقال : لا يلبس كذا ، أي ويلبس ما سواه . انتهى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : سئل عما يلبس ، فأجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز ، وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر ، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه ، إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب ، فكان الأليق السؤال عما لا يلبس ، وقال غيره : هذا يشبه أسلوب الحكيم ، ويقرب منه قوله تعالى : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين الآية ، فعدل عن جنس المنفق ، وهو المسئول عنه إلى ذكر المنفق عليه ، لأنه أهم . وقال ابن دقيق العيد : يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ، ولو بتغيير أو زيادة ، ولا تشترط المطابقة . انتهى . وهذا كله بناء على سياق هذه الرواية ، وهي المشهورة عن نافع ، وقد رواه أبو عوانة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن نافع بلفظ : " ما يترك المحرم " وهي شاذة ، والاختلاف فيها على nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج لا على نافع ، ورواه سالم ، عن ابن عمر بلفظ : " أن رجلا قال : ما يجتنب المحرم من الثياب . أخرجه أحمد . وابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحيهما من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري عنه ، وأخرجه أحمد ، عن ابن عيينة ، عن الزهري فقال مرة : " ما يترك " ومرة : " ما يلبس " ، وأخرجه المصنف في أواخر الحج من طريق إبراهيم بن سعد ، عن الزهري بلفظ نافع ، فالاختلاف فيه على الزهري يشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى ، فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها ، واتجه البحث المتقدم . وطعن بعضهم في قول من قال من الشراح أن هذا من أسلوب الحكيم ، بأنه كان يمكن الجواب بما يحصر أنواع ما لا يلبس ، كأن يقال : ما ليس بمخيط ولا على قدر البدن كالقميص أو بعضه كالسراويل أو الخف ، ولا يستر الرأس أصلا ، ولا يلبس ما مسه طيب كالورس والزعفران ، ولعل المراد من الجواب المذكور ذكر المهم وهو ما يحرم لبسه ويوجب الفدية .
قوله : ( المحرم ) أجمعوا على أن المراد به هنا الرجل ، ولا يلتحق به المرأة في ذلك ، قال ابن المنذر : أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر ، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس ، ويؤيده قوله في آخر حديث الليث الآتي في آخر الحج : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502699لا تنتقب المرأة كما سيأتي البحث فيه ، وقوله : " لا تلبس " بالرفع على الخبر وهو في معنى النهي ، وروي بالجزم على أنه نهي ، قال عياض : أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم ، وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط ، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطى الرأس به مخيطا أو غيره ، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل . انتهى . وخص ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس وهو واضح ، والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ، ولو في بعض البدن ، فأما لو ارتدى بالقميص مثلا فلا بأس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر ، قال : ومن النادر المكتل يحمله على رأسه . قلت : إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال ، وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه . ومما لا يضر أيضا الانغماس في الماء ، فإنه لا يسمى لابسا ، وكذا ستر الرأس باليد .
[ ص: 471 ] قوله : ( إلا أحد ) قال ابن المنير في الحاشية : يستفاد منه جواز استعمال أحد في الإثبات خلافا لمن خصه بضرورة الشعر ، قال : والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل في الإثبات إلا إن كان يعقبه نفي .
قوله : ( لا يجد نعلين ) زاد معمر في روايته عن الزهري ، عن سالم في هذا الموضع زيادة حسنة تفيد ارتباط ذكر النعلين بما سبق ، وهي قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502700وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين ، فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين . واستدل بقوله : " فإن لم يجد " على أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين ، وهو قول الجمهور ، وعن بعض الشافعية جوازه ، وكذا عند الحنفية . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : إن صارا كالنعلين جاز وإلا متى سترا من ظاهر الرجل شيئا لم يجز إلا للفاقد ، والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له وعجزه عن الثمن إن وجد من يبيعه أو الأجرة ، ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه أو وهب له لم يجب قبوله إلا إن أعير له .
قوله : ( فليلبس ) ظاهر الأمر للوجوب ، لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب التثقيل ، وإنما هو للرخصة .
قوله : ( وليقطعهما أسفل من الكعبين ) في رواية ابن أبي ذئب الماضية في آخر كتاب العلم : " حتى يكونا تحت الكعبين " . والمراد كشف الكعبين في الإحرام وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم ، ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة ، عن جرير عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه ، قال : إذا اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما ، وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه . وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية : الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك ، وقيل : إن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة ، وقيل : إنه لا يثبت عن محمد ، وأن السبب في نقله عنه أن nindex.php?page=showalam&ids=17244هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه ، فأشار محمد بيده إلى موضع القطع ، ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة ، وبهذا يتعقب على من نقل عن أبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=12997كابن بطال أنه قال : إن الكعب هو الشاخص في ظهر القدم ، فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن - على تقدير صحته عنه - أن يكون قول أبي حنيفة . ونقل عن الأصمعي - وهو قول الإمامية - أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث مفصل الساق والقدم ، وجمهور أهل اللغة على أن في كل قدم كعبين ، وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين ، وعن الحنفية تجب ، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة . واستدل به على اشتراط القطع ، خلافا للمشهور عن أحمد ، فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس الآتي في أواخر الحج بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502701ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين . وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد ، فينبغي أن يقول بها هنا ، وأجاب الحنابلة بأشياء : منها دعوى النسخ في حديث ابن عمر ، فقد روى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار أنه روى عن ابن عمر حديثه ، وعن جابر بن زيد ، عن ابن عباس حديثه ، وقال : انظروا أي الحديثين قبل ، ثم حكى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، عن أبي بكر النيسابوري أنه قال : حديث ابن عمر قبل ، لأنه كان بالمدينة قبل الإحرام ، وحديث ابن عباس بعرفات . وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن هذا في " الأم " فقال : كلاهما صادق حافظ ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه ، أو شك ، أو قالها فلم يقلها عنه بعض رواته . انتهى . وسلك بعضهم الترجيح بين الحديثين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه ، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه . انتهى . وهو تعليل [ ص: 472 ] مردود بل لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة ، على أنه اختلف في حديث ابن عباس أيضا ، فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس موقوفا ، ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس ، لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أصح الأسانيد ، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ ، منهم نافع وسالم ، بخلاف حديث ابن عباس ، فلم يأت مرفوعا إلا من رواية جابر بن زيد عنه ، حتى قال الأصيلي : إنه شيخ بصري لا يعرف ، كذا قال ، وهو معروف موصوف بالفقه عند الأئمة . واستدل بعضهم بالقياس على السراويل كما سيأتي البحث فيه في حديث ابن عباس ، إن شاء الله تعالى ، وأجيب بأن القياس مع وجود النص فاسد الاعتبار . واحتج بعضهم بقول عطاء : إن القطع فساد ، والله لا يحب الفساد ، وأجيب بأن الفساد إنما يكون فيما نهى الشرع عنه لا فيما أذن فيه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : يحمل الأمر بالقطع على الإباحة لا على الاشتراط عملا بالحديثين ، ولا يخفى تكلفه . قال العلماء : والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه ، والاتصاف بصفة الخاشع ، وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه ، فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات .
قوله : ( ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس ) قيل : عدل عن طريقة ما تقدم ذكره إشارة إلى اشتراك الرجال والنساء في ذلك ، وفيه نظر ، بل الظاهر أن نكتة العدول أن الذي يخالطه الزعفران والورس لا يجوز لبسه سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه . والورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة : نبت أصفر طيب الريح ، يصبغ به ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ليس الورس بطيب ، ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم ، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم ، وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب . واستدل بقوله : " مسه " على تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولو خفيت رائحته . قال مالك في الموطأ : إنما يكره لبس المصبغات لأنها تنفض . وقال الشافعية : إذا صار الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تفح له رائحة لم يمنع . والحجة فيه حديث ابن عباس الآتي في الباب الذي تقدم بلفظ : " ولم ينه عن شيء من الثياب إلا المزعفرة التي تردع الجلد " . وأما المغسول فقال الجمهور : إذا ذهبت الرائحة جاز خلافا لمالك ، واستدل لهم بما روى أبو معاوية ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع في هذا الحديث : إلا أن يكون غسيلا . أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17319يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عنه ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، عن أحمد بن أبي عمران أن nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين أنكره على الحماني ، فقال له عبد الرحمن بن صالح الأزدي : قد كتبته عن أبي معاوية ، وقام في الحال ، فأخرج له أصله ، فكتبه عنه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين . انتهى . وهي زيادة شاذة ، لأن أبا معاوية وإن كان متقنا لكن في حديثه عن غير الأعمش مقال ، قال أحمد : أبو معاوية مضطرب الحديث في عبيد الله ، ولم يجئ بهذه الزيادة غيره . قلت : والحماني ضعيف ، وعبد الرحمن الذي تابعه فيه مقال ، واستدل به المهلب على منع استدامة الطيب ، وفيه نظر ، واستنبط من منع لبس الثوب المزعفر منع أكل الطعام الذي فيه الزعفران وهذا قول الشافعية ، وعن المالكية خلاف ، وقال الحنفية : لا يحرم ، لأن المراد اللبس والتطيب ، والآكل لا يعد متطيبا .
( تنبيه ) : زاد الثوري في روايته عن أيوب ، عن نافع في هذا الحديث : " ولا القباء " أخرجه عبد الرزاق عنه ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من وجه آخر عن الثوري ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من طريق حفص [ ص: 473 ] بن غياث ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع أيضا . والقباء بالقاف والموحدة معروف ، ويطلق على كل ثوب مفرج ، ومنع لبسه على المحرم متفق عليه ، إلا أن أبا حنيفة قال : يشترط أن يدخل يديه في كميه لا إذا ألقاه على كتفيه ، ووافقه أبو ثور والخرقي من الحنابلة . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي نظيره إن كان كمه ضيقا ، فإن كان واسعا فلا .