قوله : ( لبيك ) هو لفظ مثنى عند nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ومن تبعه . وقال يونس : هو اسم مفرد ، وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي . ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر . وعن الفراء : هو منصوب على المصدر ، وأصله لبا لك ، فثني على التأكيد ، أي إلبابا بعد إلباب ، وهذه التثنية ليست حقيقية ، بل هي للتكثير أو المبالغة ، ومعناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة . قال ابن الأنباري : ومثله حنانيك ، أي تحننا بعد تحنن . وقيل : معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك ، مأخوذ من قولهم : داري تلب دارك أي تواجهها . وقيل : معناه محبتي لك مأخوذ من قولهم : امرأة لبة أي محبة . وقيل : إخلاصي لك من قولهم : حب لباب ؛ أي خالص . وقيل : أنا مقيم على طاعتك من قولهم : لب الرجل بالمكان إذا أقام . وقيل : قربا منك من الإلباب ، وهو القرب . وقيل : خاضعا لك . والأول أظهر وأشهر ، لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته ، ولهذا من دعا فقال : لبيك فقد استجاب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج . انتهى . وهذا أخرجه عبد بن حميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وعكرمة ، وقتادة وغير واحد ، والأسانيد إليهم قوية ، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه ، قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له : أذن في الناس بالحج ، قال : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ . قال : فنادى إبراهيم : يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق ، فسمعه من بين السماء والأرض ، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون . ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وفيه : فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء . وأول من أجابه أهل اليمن ، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ . قال ابن المنير في الحاشية : وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى .
قوله : ( إن الحمد ) روي بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل ، والكسر أجود عند الجمهور ، وقال ثعلب لأن من كسر جعل معناه : إن الحمد لك على كل حال ، ومن فتح قال معناه : لبيك لهذا السبب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لهج العامة بالفتح ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك ، لأن الحمد لك على كل حال ، وتعقب بأن التقييد ليس في الحمد ، وإنما هو في التلبية . قال ابن دقيق العيد : الكسر أجود لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة ، وأن [ ص: 479 ] الحمد والنعمة لله على كل حال ، والفتح يدل على التعليل ، فكأنه يقول : أجبتك لهذا السبب ، والأول أعم فهو أكثر فائدة . ولما حكى الرافعي الوجهين من غير ترجيح رجح النووي الكسر ، وهذا خلاف ما نقله nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي اختار الفتح ، وأن أبا حنيفة اختار الكسر .
قوله : ( والنعمة لك ) المشهور فيه النصب ، قال عياض : ويجوز الرفع على الابتداء ، ويكون الخبر محذوفا ، والتقدير : أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك ، قاله ابن الأنباري . وقال ابن المنير في الحاشية : قرن الحمد والنعمة ، وأفرد الملك ، لأن الحمد متعلق النعمة ، ولهذا يقال : الحمد لله على نعمه ، فجمع بينهما ، كأنه قال : لا حمد إلا لك ، لأنه لا نعمة إلا لك ، وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله صاحب الملك .
قوله : ( والملك ) بالنصب أيضا على المشهور ، ويجوز الرفع ، وتقديره والملك كذلك . ووقع عند مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن نافع وغيره عن ابن عمر : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502704كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال : لبيك . . . الحديث . وللمصنف في اللباس من طريق الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502705سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول : لبيك اللهم لبيك . . . الحديث . وقال في آخره : " لا يزيد على هذه الكلمات " زاد مسلم من هذا الوجه : " قال ابن عمر : كان عمر يهل بهذا ويزيد : لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل . وهذا القدر في رواية مالك أيضا عنده ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها ، فذكر نحوه ، فعرف أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة ، قال : " كانت تلبية عمر " . فذكر مثل المرفوع ، وزاد : لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن . واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وجابر ، وعمرو بن معد يكرب : أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية ، غير أن قوما قالوا : لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب ، وهو قول محمد ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يعني الذي أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502706كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك إله الحق لبيك . وبزيادة ابن عمر المذكورة ، وخالفهم آخرون ، فقالوا : لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب ، ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا ، بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة ، فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه . ثم أخرج حديث nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه أنه سمع رجلا يقول : لبيك ذا المعارج ، فقال : إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية ، وبه نأخذ . انتهى . ويدل على الجواز ما وقع عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود قال : كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم . فذكره ، ففيه دلالة على أنه قد كان يلبي بغير ذلك ، وما تقدم عن عمر nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد أنه كان يقول : لبيك غفار الذنوب . وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502707حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك [ ص: 480 ] إلخ " . قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502708وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد عليهم شيئا منه ، ولزم تلبيته ، وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ، قال : والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : " ذا المعارج وذا الفواضل " . وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها ، وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها ، وهو قول الجمهور وبه صرح أشهب ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، عن مالك الكراهة ، قال : وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال الشيخ أبو حامد : حكى أهل العراق عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يعني في القديم ، أنه كره الزيادة على المرفوع ، وغلطوا ، بل لا يكره ولا يستحب . وحكى الترمذي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال . فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس ، وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه ، ثم زاد من قبله زيادة . ونصب nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فقال : الاقتصار على المرفوع أحب ، ولا ضيق أن يزيد عليها . قال : وقال أبو حنيفة : إن زاد فحسن . وحكى في " المعرفة " عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال : ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . انتهى . وهذا أعدل الوجوه ، فيفرد ما جاء مرفوعا ، وإذا اختار قول ما جاء موقوفا أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع . وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد ، فإنه قال فيه : ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء : أي بعد أن يفرغ من المرفوع كما تقدم ذلك في موضعه .
( تكميل ) : لم يتعرض المصنف لحكم التلبية ، وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة : الأول أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد . ثانيها : واجبة ويجب بتركها دم ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ، عن ابن أبي هريرة من الشافعية ، وقال : إنه وجد nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي نصا يدل عليه ، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية ، nindex.php?page=showalam&ids=14228والخطابي ، عن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم ، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال : التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة ، وقال ابن التين : يريد أنها ليست من أركان الحج ، وإلا فهي واجبة ، ولذلك يجب بتركها الدم ، ولو لم تكن واجبة لم يجب ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم ، وهذا قدر زائد على أصل الوجوب . ثالثها : واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق ، وبهذا صدر ابن شاس من المالكية كلامه في " الجواهر " له ، وحكى صاحب " الهداية " من الحنفية مثله ، لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين ، وقال ابن المنذر : قال أصحاب الرأي : إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم . رابعها : أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها . حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، عن الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية ، وأهل الظاهر قالوا : هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة ، ويقويه ما تقدم من بحث ابن عبد السلام عن حقيقة الإحرام ، وهو قول عطاء ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه ، قال : التلبية فرض الحج ، وحكاه ابن المنذر ، عن ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، وعكرمة ، وحكى النووي ، عن داود أنه لا بد من رفع الصوت بها ، وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا .