قوله : ( باب من تبرز ) بوزن تفعل من البراز بفتح الموحدة وهو الفضاء الواسع ، كنوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط .
قوله : ( على لبنتين ) بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق .
قوله : ( يحيى بن سعيد ) هو الأنصاري المدني التابعي ، وكذا شيخه وشيخ شيخه في الأوصاف الثلاثة ، ولكن قيل : إن لواسع رؤية فذكر لذلك في الصحابة ، وأبوه حبان هو ابن منقذ بن عمر له ولأبيه صحبة ، وقد تقدم في المقدمة أنه بفتح المهملة وبالموحدة .
قوله : ( أنه كان يقول ) أي ابن عمر كما صرح به مسلم في روايته ، وسيأتي لفظه قريبا ، فأما من زعم أن الضمير يعود على واسع فهو وهم منه وليس قوله " فقال ابن عمر " جوابا لواسع ، بل الفاء في قوله : " فقال " [ ص: 298 ] سببية ; لأن ابن عمر أورد القول الأول منكرا له ، ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يمكنه أن يقول : فلقد رأيت . . . إلخ ، ولكن الراوي عنه - وهو واسع - أراد التأكيد بإعادة قوله : " قال عبد الله بن عمر " .
قوله : ( إن ناسا ) يشير بذلك إلى من كان يقول بعموم النهي كما سبق ، وهو مروي عن أبي أيوب nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ومعقل الأسدي وغيرهم .
قوله : ( إذا قعدت ) ذكر القعود لكونه الغالب وإلا فحال القيام كذلك .
قوله : ( على حاجتك ) كنى بهذا عن التبرز ونحوه .
قوله : ( لقد ) اللام جواب قسم محذوف .
قوله : ( على ظهر بيت لنا ) وفي رواية يزيد الآتية " على ظهر بيتنا " وفي رواية عبيد الله بن عمر الآتية " على ظهر بيت حفصة " أي : أخته كما صرح به في رواية مسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=13114ولابن خزيمة " دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت " . وطريق الجمع أن يقال : إضافته البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته فله منه سبب ، وحيث أضافه إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها ، وسيأتي انتزاع المصنف ذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى ، وحيث أضافه إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب .
وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا : يحتمل أن يكون رآه في الفضاء وكونه رآه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض ، ويرد هذا الاحتمال أيضا أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلا بساتر كما رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم بسند لا بأس به ، ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية فحانت منه التفاتة كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر .
نعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعي ، وكأنه إنما رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور ، ودل ذلك علىشدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتبعها ، وكذا كان رضي الله عنه .
قوله : ( قال ) أي : ابن عمر ( لعلك ) ، الخطاب لواسع ، وغلط من زعم أنه مرفوع . وقد فسر مالك المراد بقوله : " يصلون على أوراكهم " أي : من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد ، وهو خلاف هيئة السجود المشروعة وهي التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه ، وفي النهاية : وفسر بأنه يفرج ركبتيه فيصير معتمدا على وركيه . وقد استشكلت مناسبة ذكر ابن عمر لهذا مع المسألة السابقة فقيل : يحتمل أن يكون أراد بذلك أن الذي خاطبه لا يعرف السنة ; إذ لو كان عارفا بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره ، أو الفرق بين استقبال [ ص: 299 ] الكعبة وبيت المقدس ، وإنما كنى عمن لا يعرف السنة بالذي يصلي على وركيه لأن من يفعل ذلك لا يكون إلا جاهلا بالسنة ، وهذا الجواب للكرماني ، ولا يخفى ما فيه من التكلف ، وليس في السياق أن واسعا سأل ابن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسبه إلى عدم معرفتها . ثم الحصر الأخير مردود ; لأنه قد يسجد على وركيه من يكون عارفا بسنن الخلاء ، والذي يظهر في المناسبة ما دل عليه سياق مسلم ، ففي أوله عنده عن واسع قال : " كنت أصلي في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس ، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي ، فقال عبد الله : يقول الناس " فذكر الحديث ، فكأن ابن عمر رأى منه في حال سجوده شيئا لم يتحققه فسأله عنه بالعبارة المذكورة ، وكأنه بدأ بالقصة الأولى لأنها من روايته المرفوعة المحققة عنده فقدمها على ذلك الأمر المظنون ، ولا يبعد أن يكون قريب العهد بقول من نقل عنهم ما نقل فأحب أن يعرف الحكم لهذا التابعي لينقله عنه ، على أنه لا يمتنع إبداء مناسبة بين هاتين المسألتين بخصوصهما وأن لإحداهما بالأخرى تعلقا بأن يقال : لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة كما قدمنا في الكلام على مثار النهي .
وأحوال الصلاة أربعة : قيام وركوع وسجود وقعود ، وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن إلا إذا جافى في السجود فرأى أن في الإلصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا ، والسنة بخلاف ذلك ، والتستر بالثياب كاف في ذلك ، كما أن الجدار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبلة إن قلنا : إن مثار النهي الاستقبال بالعورة ، فلما حدث ابن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له إلى الحكم الثاني منبها له على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي رآه صلاها . وأما قول واسع " لا أدري " فدال على أنه لا شعور عنده بشيء مما ظنه به ، ولهذا لم يغلظ ابن عمر له في الزجر . والله أعلم .