قوله : ( باب التلبية إذا انحدر في الوادي ) أورد فيه حديث ابن عباس : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502715أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي . وفيه قصة ، وسيأتي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس . وقوله : " أما موسى كأني أنظر إليه " . قال المهلب : هذا وهم من بعض رواته ، لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي ، وأنه سيحج ، إنما أتى ذلك عن عيسى ، فاشتبه على الراوي ، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502716ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ، انتهى . وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم ، فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه ، أفيقال : إن الراوي غلط فزاده ؟ وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية ، عن ابن عباس بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502717كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية ، قاله لما مر بوادي الأزرق . واستفيد منه تسمية الوادي ، وهو خلف أمج ، بينه وبين مكة ميل واحد ، وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم : قرية ذات مزارع هناك ، وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس ، أفيقال : إن الراوي الآخر غلط ، فزاد يونس ؟ وقد اختلف أهل التحقيق في معنى قوله : " كأني أنظر " على أوجه : الأول : هو على الحقيقة والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت [ ص: 485 ] في صحيح مسلم من حديث أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502718أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي ، قال القرطبي : حببت إليهم العبادة ، فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به ، كما يلهم أهل الجنة الذكر . ويؤيده أن عمل الآخرة ذكر ودعاء لقوله تعالى : دعواهم فيها سبحانك اللهم الآية ، لكن تمام هذا التوجيه أن يقال إن المنظور إليه هي أرواحهم ، فلعلها مثلت له صلى الله عليه وسلم في الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء ، وأما أجسادهم فهي في القبور ، قال ابن المنير وغيره : يجعل الله لروحه مثالا فيرى في اليقظة كما يرى في النوم . ثانيها : كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف حجوا وكيف لبوا ، ولهذا قال : " كأني " . ثالثها : كأنه أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال : " كأني أنظر إليه " . رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك ، ورؤيا الأنبياء وحي ، وهذا هو المعتمد عندي لما سيأتي في أحاديث الأنبياء من التصريح بنحو ذلك في أحاديث أخر ، وكون ذلك كان في المنام والذي قبله أيضا ليس ببعيد ، والله أعلم . قال ابن المنير في الحاشية : توهيم المهلب للراوي وهم منه ، وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى ، لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض ، وإنما ثبت أنه سينزل . قلت : أراد المهلب بأن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق ، فقال : " كأني أنظر إليه " . ولهذا استدل المهلب بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502719ليهلن ابن مريم بالحج ، والله أعلم .
قوله : ( إذ انحدر ) كذا في الأصول ، وحكى عياض أن بعض العلماء أنكر إثبات الألف وغلط رواته ، قال : وهو غلط منه ، إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا ، لأنه وصفه حالة انحداره فيما مضى . وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين ، وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود .
( تنبيه ) لم يصرح أحد ممن روى هذا الحديث عن ابن عون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، ولا شك أنه مراد ، لأن ذلك لا يقوله ابن عباس من قبل نفسه ، ولا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .