[ ص: 493 ] [ ص: 494 ] قوله : ( باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي ) أما التمتع فالمعروف أنه الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة ، والإهلال بالحج في تلك السنة ، قال الله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، ويطلق التمتع في عرف السلف على القران أيضا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج ، قال : ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده ، ومن التمتع فسخ الحج أيضا إلى العمرة . انتهى . وأما القران فوقع في رواية أبي ذر " الإقران " بالألف ، وهو خطأ من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره ، وصورته الإهلال بالحج والعمرة معا ، وهذا لا خلاف في جوازه ، أو الإهلال بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج أو عكسه ، وهذا مختلف فيه . وأما الإفراد فالإهلال بالحج وحده في أشهره عند الجميع ، وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه ، والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء . وأما فسخ الحج فالإحرام بالحج ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعا ، وفي جوازه اختلاف آخر ، وظاهر تصرف [ ص: 495 ] المصنف إجازته ، فإن تقدير الترجمة باب مشروعية التمتع . . . إلخ ، ويحتمل أن يكون التقدير باب حكم التمتع . . . إلخ ، فلا يكون فيه دلالة على أنه يجيزه .
ثم أورد المصنف في الباب سبعة أحاديث : الأول : حديث عائشة من وجهين . قوله : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ) تقدم في الباب قبله بيان الوقت الذي خرجوا فيه .
قوله : ( ولا نرى إلا أنه الحج ) ، ولأبي الأسود ، عن عروة عنها كما سيأتي : " مهلين بالحج " ولمسلم من طريق القاسم عنها : " لا نذكر إلا الحج " وله من هذا الوجه " لبينا بالحج " وظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج ، لكن في رواية عروة عنها هنا : فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج ، فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام ، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج ، وسيأتي في " باب الاعتمار بعد الحج " من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه عنها " فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502728من أحب أن يهل بعمرة فليهل ، ومن أحب أن يهل بحج فليهل nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من طريق ابن شهاب ، عن عروة " فقال : من شاء فليهل بعمرة ، ومن شاء فليهل بحج . ولهذه النكتة أورد المصنف في الباب حديث ابن عباس : " كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور . فأشار إلى الجمع بين ما اختلف عن عائشة في ذلك ، وأما عائشة نفسها ، فسيأتي في أبواب العمرة ، وفي حجة الوداع من المغازي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث ، قالت : وكنت ممن أهل بعمرة وسبق في كتاب الحيض من طريق ابن شهاب نحوه عن عروة ، زاد أحمد من وجه آخر عن الزهري : " ولم أسق هديا " فادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة ، وأن الصواب رواية الأسود ، والقاسم ، وعروة عنها أنها أهلت بالحج مفردا وتعقب بأن قول عروة عنها : إنها أهلت بعمرة صريح ، وأما قول الأسود وغيره عنها : " لا نرى إلا الحج " فليس صريحا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما تقدم من غير تغليطعروة وهو أعلم الناس بحديثها ، وقد وافقه nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الصحابي كما أخرجه مسلم عنه ، وكذا رواه طاوس ، ومجاهد ، عن عائشة ويحتمل في الجمع أيضا أن يقال : أهلت عائشة بالحج مفردا كما فعل غيرها من الصحابة ، وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502729ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ، ففعلت عائشة ما صنعوا ، فصارت متمتعة . وعلى هذا يتنزل حديث عروة : ثم لما دخلت مكة وهي حائض فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض ، أمرها أن تحرم بالحج . على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك ، والله أعلم .
قوله : ( فلما قدمنا تطوفنا بالبيت ) أي غيرها ، لقولها بعده : " فلم أطف " فإنه تبين به أن قولها " تطوفنا " من العام الذي أريد به الخاص .
قوله : ( فأحللن ) أي وهي منهن ، لكن منعها من التحلل كونها حاضت ليلة دخولهم مكة ، وقد مضى في الباب قبله بيان ذلك ، وأنها بكت ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : كوني في حجك . فظاهره أنه [ ص: 496 ] صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجعل عمرتها حجا ، ولهذا قالت : يرجع الناس بحج وعمرة ، وأرجع بحج . فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم ، وقال مالك ليس العمل على حديث عروة قديما ولا حديثا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : يريد ليس عليه العمل في رفض العمرة وجعلها حجا بخلاف جعل الحج عمرة فإنه وقع للصحابة . واختلف في جوازه من بعدهم لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معنى قوله : " ارفضي عمرتك " أي اتركي التحلل منها ، وأدخلي عليها الحج فتصير قارنة ، ويؤيده قوله في رواية لمسلم : " وأمسكي عن العمرة " . أي عن أعمالها ، وإنما قالت عائشة " وأرجع بحج " لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين ، واستبعد هذا التأويل لقولها في رواية عطاء عنها : وأرجع أنا بحجة ليس معها عمرة . أخرجه أحمد ، وهذا يقوي قول الكوفيين : إن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة ، وتمسكوا في ذلك بقولها في الرواية المتقدمة : " دعي عمرتك " وفي رواية : " ارفضي عمرتك " ونحو ذلك . واستدلوا به على أن للمرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة وتهل بالحج مفردا كما فعلت عائشة ، لكن في رواية عطاء عنها ضعف ، والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502731أن عائشة أهلت بعمرة ، حتى إذا كانت بسرف حاضت ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أهلي بالحج ، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت ، فقال : قد حللت من حجك وعمرتك ، قالت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال : فأعمرها من التنعيم . ولمسلم من طريق طاوس عنها : فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502732طوافك يسعك لحجك وعمرتك فهذا صريح في أنها كانت قارنة لقوله : " قد حللت من حجك وعمرتك " ، وإنما أعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها ، لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة . وقد وقع في رواية لمسلم : وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه " وسيأتي الكلام على قصة صفية في أواخر الحج وعلى ما في قصة اعتمار عائشة من الفوائد في أبواب العمرة ، إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وأرجع أنا بحجة ) في رواية الكشميهني " وأرجع لي بحجة " .