صفحة جزء
باب الاغتسال عند دخول مكة

1498 حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية أخبرنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل ويحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك
[ ص: 507 ] قوله : ( باب قول الله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) أي تفسير قوله ، وذلك في الآية إشارة إلى التمتع ، لأنه سبق فيها : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي إلى أن قال ( ذلك ) . واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد ، فقال نافع والأعرج : هم أهل مكة بعينها ، وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه ، وقال طاوس وطائفة : هم أهل الحرم وهو الظاهر . وقال مكحول : من كان منزله دون المواقيت ، وهو قول الشافعي في القديم ، وقال في الجديد : من كان من مكة على دون مسافة القصر ، ووافقه أحمد ، وقال مالك : أهل مكة ومن حولها سوى أهل المناهل ، كعسفان ، وسوى أهل منى وعرفة .

قوله : ( وقال أبو كامل ) وصله الإسماعيلي ، قال : " حدثنا القاسم المطرز ، حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو كامل " فذكره بطوله لكنه قال : " عثمان بن سعد " بدل عثمان بن غياث ، وكلاهما بصري ، وله رواية عن عكرمة ، لكن عثمان بن غياث ثقة ، وعثمان بن سعد ضعيف ، وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله : عثمان بن سعد ، ويؤيده أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في " الأطراف " أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج ، عن أبي كامل ، كما ساقه البخاري ، قال : فأظن البخاري أخذه عن مسلم ، لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم ، كذا قال ، وتعقب باحتمال أن يكون البخاري أخذه عن أحمد بن سنان ، فإنه أحد مشايخه ، ويحتمل أيضا أن يكون أخذه عن أبي كامل نفسه ، فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه ، ولم نجد له ذكرا في كتابه غير هذا الموضع . وأبو معشر البراء اسمه يوسف بن يزيد ، والبراء بالتشديد نسبة له إلى بري السهام .

قوله : ( فلما قدمنا مكة ) أي قربها ، لأن ذلك كان بسرف كما تقدم عن عائشة .

قوله : ( اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة ) الخطاب بذلك لمن كان أهل بالحج مفردا كما تقدم واضحا عن عائشة ، أنهم كانوا ثلاث فرق .

قوله : ( طفنا ) في رواية الأصيلي : " فطفنا " بزيادة فاء ، وهو الوجه ، ووجه الأول بالحمل على الاستئناف أو هو جواب لما ، وقال جملة حالية ، وقد مقدرة فيها .

قوله : ( ونسكنا المناسك ) أي من الوقوف والمبيت وغير ذلك .

قوله : ( وأتينا النساء ) المراد به غير المتكلم ، لأن ابن عباس لم يكن إذ ذاك بالغا .

قوله : ( عشية التروية ) أي بعد الظهر ثامن ذي الحجة ، وفيه حجة على من استحب تقديمه على يوم التروية كما نقل عن الحنفية ، وعن الشافعية يختص استحباب يوم التروية بعد الزوال بمن ساق الهدي .

[ ص: 508 ] قوله : ( فقد تم حجنا ) للكشميهني : " وقد " بالواو . ومن هنا إلى آخر الحديث موقوف على ابن عباس ، ومن هنا إلى أوله مرفوع .

قوله : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج ) سيأتي عن ابن عمر وعائشة موقوفا أن آخرها يوم عرفة ، فإن لم يفعل صام أيام منى أي الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق ، وبه قال الزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي في القديم ، ثم رجع عنه ، وأخذ بعموم النهي عن صيام أيام التشريق .

قوله : ( وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم ) كذا أورده ابن عباس ، وهو تفسير منه للرجوع في قوله تعالى : إذا رجعتم ، ويوافقه حديث ابن عمر الآتي في " باب من ساق البدن معه " من طريق عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر مرفوعا : قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل ، إلى أن قال : " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله . وهذا قول الجمهور ، وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة ، وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج ، ومعنى الرجوع التوجه من مكة فيصومها في الطريق إن شاء ، وبه قال إسحاق بن راهويه .

قوله : ( الشاة تجزي ) أي عن الهدي ، وهي جملة حالية وقعت بدون واو ، وسيأتي في أبواب الهدي بيان ذلك .

قوله : ( بين الحج والعمرة ) بيان للمراد بقوله : " فجمعوا النسكين " وهو بإسكان السين ، قال الجوهري : النسك بالإسكان العبادة ، وبالضم الذبيحة .

قوله : ( فإن الله أنزله ) أي الجمع بين الحج والعمرة ، وأخذ بقوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج .

قوله : ( وسنه نبيه ) أي شرعه حيث أمر أصحابه به .

قوله : ( غير أهل مكة ) بنصب غير ، ويجوز كسره ، وذلك إشارة إلى التمتع ، وهذا مبني على مذهبه بأن أهل مكة لا متعة لهم وهو قول الحنفية ، وعند غيرهم أن الإشارة إلى حكم التمتع وهو الفدية فلا يجب على أهل مكة بالتمتع دم إذا أحرموا من الحل بالعمرة ، وأجاب الكرماني بجواب ليس طائلا .

قوله : ( التي ذكر الله ) أي بعد آية التمتع حيث قال : الحج أشهر معلومات ، وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة ، هل هو بكماله أو بعضه .

قوله : ( فمن تمتع في هذه الأشهر ) ليس لهذا القيد مفهوم ، لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعا ، ولا دم عليه ، وكذلك المكي عند الجمهور ، وخالفه فيه أبو حنيفة كما تقدم والله أعلم . ويدخل في عموم قوله : " فمن تمتع " من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها ، وبه قال الحسن البصري ، وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط ، والذي ذهب إليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد ، وأن يقدم العمرة ، وأن لا يكون مكيا ، فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعا .

قوله : ( والجدال : المراء ) روى ابن أبي نسيبة من طريق مقسم عن ابن عباس ، قال : ولا جدال في الحج : تماري صاحبك حتى تغضبه . وكذا أخرجه عن ابن عمر مثله ، ومن طريق عكرمة ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء بن يسار وغيرهم نحو قول ابن عباس ، وأخرج من طريق عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد ، قال : [ ص: 509 ] قوله : " ولا جدال في الحج " قال : قد استقام أمر الحج . ومن طريق ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قد صار الحج في ذي الحجة لا شهر ينسأ ولا شك في الحج ، لأن أهل الجاهلية كانوا يحجون في غير ذي الحجة .

قوله : ( باب الاغتسال عند دخول مكة ) قال ابن المنذر : الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء ، وليس في تركه عندهم فدية ، وقال أكثرهم : يجزئ منه الوضوء . وفي " الموطأ " أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام ، وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه . وقال الشافعية إن عجز عن الغسل تيمم . وقال ابن التين : لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة ، وإنما ذكروه للطواف ، والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف .

قوله : ( ثم يبيت بذي طوى ) بضم الطاء وبفتحها .

قوله : ( ويغتسل ) أي به .

قوله : ( كان يفعل ذلك ) يحتمل أن الإشارة به إلى الفعل الأخير وهو الغسل ، وهو مقصود الترجمة ، ويحتمل أنها إلى الجميع وهو الأظهر ، فسيأتي في الباب الذي يليه ذكر المبيت فقط مرفوعا من رواية أخرى ، عن ابن عمر ، وتقدم الحديث بأتم من هذا في " باب الإهلال مستقبل القبلة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية