قوله : ( باب إغلاق البيت ، ويصلي في أي نواحي البيت شاء ) أورد فيه حديث ابن عمر ، عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين العمودين ، وتعقب بأنه يغاير الترجمة من جهة أنها تدل على التخيير ، والفعل المذكور يدل على التعيين . وأجيب بأنه حمل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك [ ص: 542 ] الموضع بعينه على سبيل الاتفاق لا على سبيل القصد لزيادة فضل في ذلك المكان على غيره ، ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك الفعل ليس حتما ، وإن كانت الصلاة في تلك البقعة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها ، ويؤيده ما سيأتي في الباب الذي يليه من تصريح ابن عمر بنص الترجمة مع كونه كان يقصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه لفضله ، وكأن المصنف أشار بهذه الترجمة إلى الحكمة في إغلاق الباب حينئذ ، وهو أولى من دعوى ابن بطال الحكمة فيه لئلا يظن الناس أن ذلك سنة ، وهو مع ضعفه منتقض بأنه لو أراد إخفاء ذلك ما اطلع عليهبلال ومن كان معه ، وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه فعل الواحد ، وقد تقدم بسط هذا في " باب الغلق للكعبة " من كتاب الصلاة ، وظاهر الترجمة أنه يشترط للصلاة في جميع الجوانب إغلاق الباب ليصير مستقبلا في حال الصلاة غير الفضاء ، والمحكي عن الحنفية الجواز مطلقا ، وعن الشافعية وجه مثله ، لكن يشترط أن يكون للباب عتبة بأي قدر كانت ، ووجه يشترط أن يكون قدر قامة المصلي ، ووجه يشترط أن يكون قدر مؤخر الرجل ، وهو المصحح عندهم ، وفي الصلاة فوق ظهر الكعبة نظير هذا الخلاف ، والله أعلم . وأما قول بعض الشارحين إن قوله : " ويصلي في أي نواحي البيت شاء " . يعكر على الشافعية فيما إذا كان البيت مفتوحا ففيه نظر ، لأنه جعله حيث يغلق الباب ، وبعد الغلق لا توقف عندهم في الصحة .
قوله : ( هو nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعثمان ) زاد مسلم من طريق أخرى : " ولم يدخلها معهم أحد " ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق ابن عون ، عن نافع : " ومعه nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس ، وأسامة ، وبلال ، وعثمان " . زاد الفضل . nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من حديث ابن عباس : " حدثني أخي الفضل - وكان معه حين دخلها - أنه لم يصل في الكعبة " . وسيأتي البحث فيه بعد بابين .
قوله : ( فأغلقوا عليهم ) زاد في رواية حسان بن عطية ، عن نافع عند أبي عوانة : " من داخل " وزاد [ ص: 543 ] يونس : " فمكث نهارا طويلا " . وفي رواية فليح : " زمانا " بدل نهارا ، وفي رواية جويرية ، عن نافع التي مضت في أوائل الصلاة : " فأطال " ولمسلم من رواية ابن عون ، عن نافع : " فمكث فيها مليا " . وله من رواية عبيد الله ، عن نافع : " فأجافوا عليهم الباب طويلا " . ومن رواية أيوب ، عن نافع : " فمكث فيها ساعة " . nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : " فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت سريعا ، فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم خارجا منها " . ووقع في الموطأ بلفظ : " فأغلقاها عليه " . والضمير لعثمان ، وبلال ، ولمسلم من طريق ابن عون ، عن نافع : " فأجاف عليهم عثمان الباب " . والجمع بينهما أن عثمان هو المباشر لذلك ، لأنه من وظيفته ، ولعل بلالا ساعده في ذلك . ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به .
قوله : ( فلما فتحوا كنت أول من ولج ) في رواية فليح : " ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم " . وفي رواية أيوب : " وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم " . وفي رواية جويرية : " كنت أول الناس ولج على أثره " . وفي رواية ابن عون : " فرقيت الدرجة فدخلت البيت " . وفي رواية مجاهد الماضية في أوائل الصلاة عن ابن عمر : " وأجد بلالا قائما بين البابين " . وأفاد الأزرقي في " كتاب مكة " أن خالد بن الوليد كان على الباب يذب عنه الناس ، وكأنه جاء بعد ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأغلق .
قوله : ( فلقيت بلالا فسألته ) زاد في رواية مالك ، عن نافع الماضية في أوائل الصلاة : " ما صنع ؟ " . وفي رواية جويرية ، ويونس وجمهور أصحاب نافع : " فسألت بلالا أين صلى ؟ " . اختصروا أول السؤال ، وثبت في رواية سالم هذه حيث قال : " هل صلى فيه ؟ قال : نعم " . وكذا في رواية مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=12531وابن أبي مليكة ، عن ابن عمر : nindex.php?page=hadith&LINKID=886372فقلت : أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ؟ قال : نعم فظهر أنه استثبت أولا ، هل صلى أم لا ، ثم سأل عن موضع صلاته من البيت . ووقع في رواية يونس ، عن ابن شهاب عند مسلم : " فأخبرني بلال أو عثمان بن طلحة " والمحفوظ أنه سأل بلالا كما في رواية الجمهور ، ووقع عند أبي عوانة من طريق العلاء بن عبد الرحمن ، عن ابن عمر ، أنه سأل بلالا nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد حين خرجا : " أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه ؟ فقالا على جهته " . وكذا أخرجه البزار نحوه ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من طريق أبي الشعثاء ، عن ابن عمر قال : " أخبرني أسامة أنه صلى فيه ههنا " . ولمسلم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من وجه آخر : " فقلت : أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا . . . " . فإن كان محفوظا حمل على أنه ابتدأبلالا بالسؤال كما تقدم تفصيله ، ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصلاة ، فسأل عثمان أيضا وأسامة ، ويؤيد ذلك قوله في رواية ابن عون عند مسلم : " ونسيت أن أسألهم كم صلى " . بصيغة الجمع ، وهذا أولى من جزم عياض بوهم الرواية التي أشرنا إليها من عند مسلم ، وكأنه لم يقف على بقية الروايات ، ولا يعارض قصته مع قصة أسامة ما أخرجه مسلم أيضا من حديث ابن عباس ، أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه ، ولكنه كبر في نواحيه . فإنه يمكن الجمع بينهما بأن أسامة حيث أثبتها اعتمد في ذلك على غيره ، وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لم يره صلى الله عليه وسلم حين صلى . وسيأتي مزيد بسط فيه بعد بابين في الكلام على حديث ابن عباس ، إن شاء الله تعالى .
قوله : ( بين العمودين اليمانيين ) في رواية جويرية : " بين العمودين المقدمين " . وفي رواية مالك ، عن نافع : " جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره " . وفي رواية عنه : " عمودين عن يمينه " . وقد تقدم الكلام على [ ص: 544 ] ذلك مبسوطا في " باب الصلاة بين السواري " بما يغني عن إعادته ، لكن نذكر هنا ما لم يتقدم ذكره ، فوقع في رواية فليح الآتية في المغازي : " بين ذينك العمودين المقدمين ، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين ، صلى بين العمودين من السطر المقدم ، وجعل باب البيت خلف ظهره " . وقال في آخر روايته : " وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء " . وكل هذا إخبار عما كان عليهالبيت قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن الزبير ، فأما الآن فقد بين nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذي استقبله قريبا من ثلاثة أذرع ، وجزم برفع هذه الزيادة مالك ، عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني في " الغرائب " من طريقه وطريق nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب وغيرهما عنه ولفظه : " وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع " . وكذا أخرجها أبو عوانة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن نافع ، وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع ، لكن رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق ابن القاسم ، عن مالك بلفظ : " نحو من ثلاثة أذرع " . وهي موافقة لرواية nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة . وفي " كتاب مكة " للأزرقي ، والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل ابن عمر : nindex.php?page=hadith&LINKID=886373أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة . فعلى هذا ينبغي لمن أراد الاتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ، فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء ، وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة ، والله أعلم . وأما مقدار صلاته حينئذ فقد تقدم البحث فيه في أوائل الصلاة ، وأشرت إلى الجمع بين رواية مجاهد ، عن ابن عمر أنه صلى ركعتين ، وبين رواية من روى عن نافع أن ابن عمر قال : نسيت أن أسأله كم صلى ، وإلى الرد على من زعم أن رواية مجاهد غلط بما فيه مقنع بحمد الله تعالى .
وفي هذا الحديث من الفوائد : رواية الصاحب عن الصاحب ، وسؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به ، والحجة بخبر الواحد ، ولا يقال : هو أيضا خبر واحد ، فكيف يحتج للشيء بنفسه ؟ لأنا نقول : هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك ، وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة ، وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه ، وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها ، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ، ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه ، لأن أبا بكر ، وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك ، واستدل به المصنف فيما مضى على أن الصلاة إلى المقام غير واجبة ، وعلى جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة ، وعلى مشروعية الأبواب والغلق للمساجد ، وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور فإنه nindex.php?page=hadith&LINKID=886374صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما ، والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار كما تقدم أنه كان بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع ، وبذلك ترجم له nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي على أن حد الدنو من السترة أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع ، ويستفاد منه أن قول العلماء : تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت فدخله ، فصلى فيه ركعتين ، فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هو تحية المسجد العام ، والله أعلم . وفيه استحباب دخول الكعبة ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=886375من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفورا له . قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي تفرد به عبد الله بن المؤمل ، وهو ضعيف ، ومحل استحبابه [ ص: 545 ] ما لم يؤذ أحدا بدخوله . وروى ابن أبي شيبة من قول ابن عباس : إن دخول البيت ليس من الحج في شيء ، وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج ، ورده بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن حينئذ محرما ، وأما ما رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه هو وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، عن عائشة : nindex.php?page=hadith&LINKID=886376أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ، ثم رجع وهو كئيب ، فقال : دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي . فقد يتمسك به لصاحب هذا القول المحكي لكون عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته ، بل سيأتي بعد بابين أنه لم يدخل في الكعبة في عمرته ، فتعين أن القصة كانت في حجته ، وهو المطلوب ، وبذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وإنما لم يدخل في عمرته لما كان في البيت من الأصنام والصور كما سيأتي ، وكان إذ ذاك لا يتمكن من إزالتها ، بخلاف عام الفتح . ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة بالمدينة بعد رجوعه ، فليس في السياق ما يمنع ذلك ، وسيأتي النقل عن جماعة من أهل العلم أنه لم يدخل الكعبة في حجته . وفيه استحباب الصلاة في الكعبة ، وهو ظاهر في النفل ، ويلتحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم ، وهو قول الجمهور ، وعن ابن عباس : لا تصح الصلاة داخلها مطلقا ، وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها ، وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها ، وقال به بعض المالكية والظاهرية nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، وقال المازري : المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ، ووجوب الإعادة ، وعن ابن عبد الحكم الإجزاء ، وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، nindex.php?page=showalam&ids=12815وابن العربي . وعن ابن حبيب يعيد أبدا ، وعن أصبغ إن كان متعمدا ، وأطلق الترمذي ، عن مالك جواز النوافل ، وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب ، وما تشرع فيه الجماعة ، وفي " شرح العمدة " لابن دقيق العيد : كره مالك الفرض أو منعه ، فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك ، ويلتحق بهذه المسألة الصلاة في الحجر . ويأتي فيها الخلاف السابق في أول الباب في الصلاة إلى جهة الباب ، نعم إذا استدبر الكعبة واستقبل الحجر لم يصح على القول بأن تلك الجهة منه ليست من الكعبة ، ومن المشكل ما نقله النووي في " زوائد الروضة " عن الأصحاب أن صلاة الفرض داخل الكعبة - إن لم يرج جماعة - أفضل منها خارجها ، ووجه الإشكال أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء بخلاف داخلها ، فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق .