قوله : ( باب حلاوة الإيمان ) مقصود المصنف أن الحلاوة من ثمرات الإيمان . ولما قدم أن محبة الرسول من الإيمان أردفه بما يوجد حلاوة ذلك .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ) هو أبو موسى العنزي بفتح النون بعدها زاي ، قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16503عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني بفتح السين المهملة على الصحيح وحكي ضمها وكسرها ، عن أبي قلابة بكسر القاف وبباء موحدة .
قوله : ( ثلاث ) هو مبتدأ والجملة الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض المضاف إليه ، فالتقدير ثلاث خصال ، ويحتمل في إعرابه غير ذلك .
قوله : ( كن ) أي : حصلن ، فهي تامة . وفي قوله " حلاوة الإيمان " استعارة تخييلية ، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه ، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه ، وكلما نقصت الصحة شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك ، فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوي استدلال المصنف على الزيادة والنقص . قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة فالكلمة هي كلمة الإخلاص ، والشجرة أصل الإيمان ، وأغصانها اتباع الأمر واجتناب [ ص: 78 ] النهي ، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير ، وثمرها عمل الطاعات ، وحلاوة الثمر جني الثمرة ، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها .
قوله : ( أحب إليه ) منصوب لأنه خبر يكون ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس ، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه ، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله ، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل ، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك ، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له ، ويلتذ بذلك التذاذا عقليا ، إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك . وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة . قال : وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى ، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه ، وأن ما عداه وسائط ، وأن الرسول هو الذي يبين له مراد ربه ، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه : فلا يحب إلا ما يحب ، ولا يحب من يحب إلا من أجله . وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينا . ويخيل إليه الموعود كالواقع ، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة ، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار . انتهى ملخصا . وشاهد الحديث من القرآن قوله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى أن قال - أحب إليكم من الله ورسوله ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله : فتربصوا .
( فائدة ) : فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل ، فالأول من الأول والأخير من الثاني . وقال غيره : محبة الله على قسمين فرض وندب ، فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضا بما يقدره ، فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها ، فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية ، أو تستمر الغفلة فيقع . وهذا الثاني يسرع إلى الإقلاع مع الندم . وإلى الثاني يشير حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=883401لا يزني الزاني وهو مؤمن " والندب أن يواظب على النوافل ويتجنب الوقوع في الشبهات ، والمتصف عموما بذلك نادر . قال : وكذلك محبة الرسول على قسمين كما تقدم ، ويزاد أن لا يتلقى شيئا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته ، ولا يسلك إلا طريقته ، ويرضى بما شرعه ، حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضاه ، ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها ، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان ، وتتفاوت مراتب المؤمنين بحسب ذلك . وقال الشيخ محيي الدين : هذا حديث عظيم ، أصل من أصول الدين . ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات ، وتحمل المشاق في الدين ، وإيثار ذلك على أعراض الدنيا ، ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته ، وكذلك الرسول . وإنما قال " مما سواهما " ولم يقل " ممن " ليعم من يعقل ومن لا يعقل . قال : وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية . وأما قوله للذي خطب فقال : ومن يعصهما " بئس الخطيب أنت " فليس من هذا ; لأن المراد في الخطب الإيضاح ، وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ ، ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قاله في موضع آخر قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=883402ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه " . واعترض بأن هذا الحديث إنما ورد أيضا في حديث خطبة النكاح ، وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضا الإيجاز فلا نقض . وثم أجوبة أخرى ، منها : دعوى الترجيح ، فيكون حيز [ ص: 79 ] المنع أولى لأنه عام . والآخر يحتمل الخصوصية ; ولأنه ناقل والآخر مبني على الأصل ; ولأنه قول والآخر فعل . ورد بأن احتمال التخصيص في القول أيضا حاصل بكل قول ليس فيه صيغة عموم أصلا ، ومنها دعوى أنه من الخصائص ، فيمتنع من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمتنع منه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية ، بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك . وإلى هذا مال ابن عبد السلام . ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر ، وهو أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر ، وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر . وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر أن يكره إقامة المضمر فيها مقام الظاهر ، فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو - صلى الله عليه وسلم - جمع كما تقدم ؟ ويجاب بأن قصة الخطيب - كما قلنا - ليس فيها صيغة عموم ، بل هي واقعة عين ، فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية كما تقدم . ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين ، لا كل واحدة منهما ، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى . فمن يدعي حب الله مثلا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك ، ويشير إليه قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد . وأما أمر الخطيب بالإفراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية ، إذ العطف في تقدير التكرير ، والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم ، ويشير إليه قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فأعاد " أطيعوا " في الرسول ولم يعده في أولي الأمر لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة كاستقلال الرسول . انتهى ملخصا من كلام nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي والطيبي . ومنها أجوبة أخرى فيها تكلم : منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه ، ومنها أن له أن يجمع بخلاف غيره .
قوله : ( وأن يحب المرء ) قال nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ : حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء .
قوله : ( وأن يكره أن يعود في الكفر ) زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى شيخ المصنف " بعد إذ أنقذه الله منه " ، وكذا هو في طريق أخرى للمصنف ، والإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر ، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة ، وعلى الأول فيحمل قوله " يعود " على معنى الصيرورة ، بخلاف الثاني فإن العودة فيه على ظاهره . فإن قيل : فلم عدى العود بفي ولم يعده بإلى ؟ فالجواب أنه ضمنه معنى الاستقرار ، وكأنه قال يستقر فيه . ومثله قوله تعالى وما يكون لنا أن نعود فيها .
( تنبيه ) : هذا الإسناد كله بصريون . وأخرجه المصنف بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة عن قتادة عن أنس ، واستدل به على فضل من أكره على الكفر فترك البتة إلى أن قتل ، وأخرجه من هذا الوجه في الأدب في فضل الحب في الله ، ولفظه في هذه الرواية " وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه " وهي أبلغ من لفظ حديث الباب ; لأنه سوى فيه بين الأمرين ، وهنا جعل الوقوع في نار الدنيا أولى من الكفر الذي أنقذه الله بالخروج منه في نار الأخرى ، وكذا رواه مسلم من هذا الوجه ، وصرح nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في روايته nindex.php?page=showalam&ids=13779والإسماعيلي بسماع قتادة له من أنس ، والله الموفق . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من [ ص: 80 ] طريق nindex.php?page=showalam&ids=16259طلق بن حبيب عن أنس وزاد في الخصلة الثانية ذكر البغض في الله ولفظه " وأن يحب في الله ويبغض في الله " وقد تقدم للمصنف في ترجمته " والحب في الله والبغض في الله من الإيمان " وكأنه أشار بذلك إلى هذه الرواية . والله أعلم .