قوله : ( باب ) هو منون . ولما ذكر في الحديث السابق أنه " لا يحبه إلا لله " عقبه بما يشير إليه من أن حب الأنصار كذلك ; لأن محبة من يحبهم من حيث هذا الوصف - وهو النصرة - إنما هو لله تعالى ، فهم وإن دخلوا في عموم قوله " لا يحبه إلا لله " لكن التنصيص بالتخصيص دليل العناية .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11928أبو الوليد ) هو الطيالسي
قوله : ( جبر ) بفتح الجيم وسكون الموحدة ، وهو nindex.php?page=showalam&ids=1448ابن عتيك الأنصاري ، وهذا الراوي ممن وافق اسمه اسم أبيه . .
قوله : ( آية الإيمان ) هو بهمزة ممدودة وياء تحتانية مفتوحة وهاء تأنيث ، والإيمان مجرور بالإضافة ، هذا هو المعتمد في ضبط هذه الكلمة في جميع الروايات ، في الصحيحين والسنن والمستخرجات والمسانيد . والآية : العلامة كما ترجم به المصنف ، ووقع في إعراب الحديث nindex.php?page=showalam&ids=14803لأبي البقاء العكبري " إنه الإيمان " بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء ، والإيمان مرفوع ، وأعربه فقال : إن للتأكيد ، والهاء ضمير الشأن ، والإيمان مبتدأ وما بعده خبر ، ويكون التقدير : إن الشأن الإيمان حب الأنصار . وهذا تصحيف منه . ثم فيه نظر من جهة المعنى لأنه يقتضي حصر الإيمان في حب الأنصار ، وليس كذلك . فإن قيل : واللفظ المشهور أيضا يقتضي الحصر ، وكذا ما أورده المصنف في فضائل الأنصار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب " nindex.php?page=hadith&LINKID=883403الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن " ، فالجواب عن الأول أن العلامة كالخاصة تطرد ولا تنعكس ، فإن أخذ من طريق المفهوم فهو مفهوم لقب لا عبرة به . سلمنا الحصر لكنه ليس حقيقيا بل ادعائيا للمبالغة ، أو هو حقيقي لكنه خاص بمن أبغضهم من حيث النصرة . والجواب عن الثاني أن غايته أن لا يقع حب الأنصار إلا لمؤمن . وليس فيه نفي الإيمان عمن لم يقع منه ذلك ، بل فيه أن غير المؤمن لا يحبهم . فإن قيل : فعلى الشق الثاني هل يكون من أبغضهم منافقا وإن صدق وأقر ؟ فالجواب أن ظاهر اللفظ يقتضيه ; لكنه غير مراد ، فيحمل على تقييد البغض بالجهة ، فمن أبغضهم من جهة هذه الصفة - وهي كونهم نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثر ذلك في تصديقه فيصح أنه منافق . ويقرب هذا الحمل زيادة أبي نعيم في المستخرج في حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب " nindex.php?page=hadith&LINKID=883404من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم " ، ويأتي مثل هذا الحب كما سبق . وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد رفعه " nindex.php?page=hadith&LINKID=883405لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر " ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من [ ص: 81 ] حديثه " nindex.php?page=hadith&LINKID=883406حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق " . ويحتمل أن يقال إن اللفظ خرج على معنى التحذير فلا يراد ظاهره ، ومن ثم لم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده ، بل قابله بالنفاق إشارة إلى أن الترغيب والترهيب إنما خوطب به من يظهر الإيمان ، أما من يظهر الكفر فلا ; لأنه مرتكب ما هو أشد من ذلك .
قوله : ( الأنصار ) هو جمع ناصر كأصحاب وصاحب ، أو جمع نصير كأشراف وشريف ، واللام فيه للعهد أي : أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد الأوس والخزرج ، وكانوا قبل ذلك يعرفون ببني قيلة بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة وهي الأم التي تجمع القبيلتين ، فسماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الأنصار " فصار ذلك علما عليهم ، وأطلق أيضا على أولادهم وحلفائهم ومواليهم . وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم ، فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم ، والعداوة تجر البغض ، ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد ، والحسد يجر البغض ، فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق ، تنويها بعظيم فضلهم ، وتنبيها على كريم فعلهم ، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركا لهم في الفضل المذكور كل بقسطه . وقد ثبت في صحيح مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=883407عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " ، وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة ، لتحقق مشترك الإكرام ، لما لهم من حسن الغناء في الدين . قال صاحب المفهم : وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم لبعض فذاك من غير هذه الجهة ، بل الأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ، ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق ، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام : للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد . والله أعلم .