قوله : ( باب : لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال ) أشار المصنف إلى تحريم ذلك ، ولم يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك ، وهي مسألة خلاف : فاتفقوا - كما تقدم - على تحريم الإشارة إلى الصيد [ ص: 36 ] ليصطاد ، وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم ، لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد بدونها ، واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا دل الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان عليه ، فقال الكوفيون وأحمد وإسحاق : يضمن المحرم ذلك . وقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا ضمان عليه كما لو دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم . قالوا : ولا حجة في حديث الباب ؛ لأن السؤال عن الإعانة والإشارة إنما وقع ليبين لهم هل يحل لهم أكله أو لا؟ ولم يتعرض لذكر الجزاء . واحتج الموفق بأنه قول علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة . وأجيب بأنه اختلف فيه على ابن عباس ، وفي ثبوته عن علي نظر ، ولأن القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه ، فصار كمن دل محرما أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13585عثمان هو ابن موهب ) بفتح الهاء وموهب جده ، وهو عثمان بن عبد الله التيمي ، مدني تابعي ثقة ، روى هنا عن تابعي أكبر منه قليلا .
قوله : ( خرج حاجا ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : هذا غلط ، فإن القصة كانت في عمرة ، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير ، وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر . ولعل الراوي أراد : خرج محرما ، فعبر عن الإحرام بالحج غلطا . قلت : لا غلط في ذلك ، بل هو من المجاز السائغ . وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال : خرج قاصدا للبيت ، ولهذا يقال للعمرة : الحج الأصغر . ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي ، عن أبي عوانة بلفظ : " خرج حاجا أو معتمرا " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة ، وقد جزم nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد .
قوله : ( إلا أبا قتادة ) كذا للكشميهني ، ولغيره " إلا أبو قتادة " بالرفع ، ووقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه ، قال ابن مالك في " التوضيح " : حق المستثنى بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده ، فالمفرد نحو قوله تعالى : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين والمكمل نحو إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب ، وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه ، فمن أمثلة الثابت الخبر قول nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة : " أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم " فـ " إلا " بمعنى " لكن " ، وأبو قتادة مبتدأ و " لم يحرم " خبره ، ونظيره من كتاب الله تعالى : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم فإنه لا يصح أن يجعل " امرأتك " بدلا من " أحد " ؛ لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين . وتكلف بعضهم بأنه وإن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت .
قوله : ( فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا ) في هذا السياق زيادة على جميع الروايات ؛ لأنها متفقة على إفراد الحمار بالرؤية ، وأفادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر ، وأن المقتول كان أتانا ، أي : أنثى ، فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز .
قوله : ( قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا : لا . ) وفي رواية مسلم : " هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء " وله من طريق شعبة ، عن عثمان : " هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ؟ " ولأبي عوانة من هذا الوجه : " أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم " .
قوله : ( قال : فكلوا ما بقي من لحمها ) صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب ؛ لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب ، فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال ، ولم يذكر في هذه الرواية أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحمها ، وذكره في روايتي أبي حازم ، عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ، ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره ، ووافقه صالح بن حسان عند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14724وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه : " فقال : كلوا وأطعموني " وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة نفسه إلا المطلب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، ووقع لنا من رواية أبي محمد nindex.php?page=showalam&ids=16572وعطاء بن يسار وأبي صالح كما سيأتي في الصيد ، ومن رواية nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن عند إسحاق ، ومن رواية عبادة بن تميم nindex.php?page=showalam&ids=228وسعد بن إبراهيم عند أحمد ، وتفرد معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني من طريقه ، وقال في آخره : " nindex.php?page=hadith&LINKID=886698فذكرت شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت : إنما اصطدته لك " فأمر أصحابه فأكلوه ، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=14033والجوزقي : تفرد بهذه الزيادة معمر . قال nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة : إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله ، فلما أعلمه امتنع ا هـ . وفيه نظر ؛ لأنه لو كان حراما ما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله ، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز ، فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله ، وأما إذا أتي بلحم لا يدري ألحم صيد أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل .
وعندي بعد ذلك فيه وقفة ، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أكلها حتى تعرقها أي : لم يبق منها إلا العظم ، ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [ ص: 38 ] في الهبة : " حتى نفدها " أي : فرغها ، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله ، لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد : nindex.php?page=hadith&LINKID=886699أبقي معكم شيء منه؟ قلت : نعم . قال : كلوا ؛ فهو طعمة أطعمكموها الله فأشعر بأنه بقي منها غير العضد ، والله أعلم .