قوله : ( أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس ) هو ابن يزيد أيضا ، وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه إسنادين : سالم عن أبيه ، عن حفصة ، وعروة عن عائشة ، وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري ، عن عروة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي ، عن سفيان : " حدثنا والله الزهري ، عن سالم عن أبيه " فقيل له : إن معمرا يرويه عن الزهري ، عن عروة عن عائشة ، فقال : " حدثنا والله الزهري لم يذكر عروة " . قلت : وطريق معمر المشار إليها أوردها المصنف في بدء الخلق من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع عنه ، ورواها nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عبد الرزاق قال عبد الرزاق : ذكر بعض أصحابنا أن معمرا كان يذكره عن الزهري ، عن سالم عن أبيه ، وعن عروة عن عائشة ، وطريق الزهري ، عن عروة رواها أيضا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ . وقد تابع الزهري ، عن عروة nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، أخرجه مسلم أيضا .
قوله : ( خمس ) التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد ، وليس بحجة عند الأكثر ، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله - صلى الله عليه وسلم - أولا ، ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم ، فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ : " أربع " وفي بعض طرقها بلفظ : " ست " فأما طريق أربع فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فأسقط العقرب ، وأما طريق ست فأخرجها أبو عوانة في " المستخرج " من طريق المحاربي ، عن هشام عن أبيه عنها ، فأثبتها وزاد الحية ، ويشهد لها طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد ، وأغرب عياض فقال : وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى ، فصارت سبعا . وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية . والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في " المستخرج " من طريق ابن عون ، عن نافع في آخر حديث الباب قال : قلت لنافع : فالأفعى؟ قال : ومن يشك في الأفعى؟ ا هـ .
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي ، فصارت سبعا . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة ، فتصير بهذا الاعتبار تسعا ، لكن أفاد nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة ، عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور . ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=886710يقتل المحرم الحية والذئب ورجاله ثقات . وأخرج أحمد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15689حجاج بن أرطاة ، عن وبرة عن ابن عمر قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=886711أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الذئب للمحرم وحجاج ضعيف . وخالفه مسعر ، عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة ، فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ، ولا يخلو شيء من ذلك من مقال ، والله أعلم .
قوله : ( كلهن فاسق يقتلن ) قيل : " فاسق " صفة لـ " كل " ، وفي " يقتلن " ضمير راجع إلى معنى " كل " . ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه : كلها فواسق . وفي رواية معمر التي في بدء الخلق : " خمس فواسق " قال النووي : هو بإضافة خمس لا بتنوينه ، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني ، فإنه قال : رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم ، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك - وهو القتل - معلل بما جعل وصفا وهو الفسق ، فيدخل فيه كل فاسق من الدواب ، ويؤيده رواية يونس التي في حديث الباب . قال النووي وغيره : تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية في وفق اللغة ، فإن أصل الفسق لغة : الخروج ، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها . وقوله تعالى : ففسق عن أمر ربه أي : خرج ، وسمي الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه ، فهو خروج مخصوص . وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق ، يعني : بالمعنى الشرعي . وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل : لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله ، وقيل : في حل أكله ؛ لقوله تعالى : أو فسقا أهل لغير الله به .
فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق ، وهو يرجح القول الأخير ، والله أعلم .
قوله : ( يقتلن في الحرم ) تقدم في رواية نافع بلفظ : ليس على المحرم في قتلهن جناح وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم ، ويؤخذ منه جواز ذلك للحلال ، وفي الحل من باب الأولى . وقد وقع ذكر الحل صريحا عند مسلم من طريق معمر ، عن الزهري ، عن عروة بلفظ : يقتلن في الحل والحرم ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع ، وهو الإحرام ، فهو بالجواز أولى ، ثم إنه ليس في نفي الجناح - وكذا الحرج في طريق سالم - دلالة على أرجحية الفعل على الترك ، لكن ورد في طريق زيد بن جبير عند مسلم بلفظ : " أمر " وكذا في طريق معمر ، ولأبي عوانة من طريق ابن نمير ، عن هشام عن أبيه بلفظ : الندب والإباحة ، وروى البزار من طريق أبي [ ص: 46 ] رافع قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=886714بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته إذ ضرب شيئا ، فإذا هي عقرب فقتلها ، وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمحرم ، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نهي المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب ، ويؤيد ذلك رواية الليث ، عن نافع بلفظ : " أذن " أخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، عن قتيبة ، لكن لم يسق مسلم لفظه . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند أبي داود وغيره : " خمس قتلهن حلال للمحرم " .
قوله : ( الغراب ) زاد في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم : " الأبقع " وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض ، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره ، ثم وجدت nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة قد صرح باختياره ، وهو قضية حمل المطلق على المقيد . وأجاب ابن بطال بأن هذه الزيادة لا تصح ؛ لأنها من رواية قتادة ، عن سعيد ، وهو مدلس ، وقد شذ بذلك ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لا تثبت هذه الزيادة . وقال ابن قدامة : الروايات المطلقة أصح . وفي جميع هذا التعليل نظر ، أما دعوى التدليس فمردودة بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم ، وهذا من رواية شعبة ، بل صرح nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل ، عن شعبة بسماع قتادة . وأما نفي الثبوت فمردود بإخراج مسلم . وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ ، وهو كذلك هنا . نعم قال ابن قدامة : يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل .
وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ، ويقال له : غراب الزرع ، ويقال له : الزاغ ، وأفتوا بجواز أكله ، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع . ومنها الغداف على الصحيح في " الروضة " بخلاف تصحيح الرافعي ، وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين ، والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع ، قيل : سمي غراب البين ؛ لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض ، فلقي جيفة فوقع عليها ، ولم يرجع إلى نوح ، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به ، فكانوا إذا نعب مرتين قالوا : آذن بشر . وإذا نعب ثلاثا قالوا : آذن بخير . فأبطل الإسلام ذلك ، وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال : اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك .
وقال صاحب " الهداية " : المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع ؛ لأنهما يأكلان الجيف ، وأما غراب الزرع فلا . وكذا استثناه ابن قدامة ، وما أظن فيه خلافا ، وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود إن صح حيث قال فيه : " ويرمي الغراب ولا يقتله " وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد ، قال ابن المنذر : أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب ، فقال : إن أدماه فعليه الجزاء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لم يتابع أحد عطاء على هذا ، انتهى .
ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع ، وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى ، وهل يختص ذلك بكبارها؟ والمشهور عنهم - كما قال ابن شاس - لا فرق وفاقا للجمهور ، ومن أنواع الغربان الأعصم ، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة ، وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم ، وحكمه حكم الأبقع . ومنها العقعق ، وهو قدر الحمامة على شكل الغراب ، قيل : سمي بذلك ؛ لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم ، وبهذا ظهر أنه نوع من الغربان ، والعرب تتشاءم به أيضا . ووقع في فتاوى قاضي خان الحنفي : من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر ، [ ص: 47 ] وحكمه حكم الأبقع على الصحيح ، وقيل : حكم غراب الزرع . وقال أحمد : إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به .
قوله : ( والحدأ ) بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد ، وحكى صاحب " المحكم " المد فيه ندورا ، ووقع في رواية الكشميهني في حديث عائشة " الحدأة " بزيادة هاء بلفظ : الواحدة ، وليست للتأنيث ، بل هي كالهاء في التمرة ، وحكى الأزهري فيها " حدوة " بواو بدل الهمزة ، وسيأتي في بدء الخلق من حديثها بلفظ : " الحديا " بضم أوله وتشديد التحتانية مقصور ، ومثله لمسلم في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال : قال قاسم بن ثابت : الوجه فيه الهمزة ، وكأنه سهل ثم أدغم ، وقيل : هي لغة حجازية ، وغيرهم يقول : " حدية " وقد تقدم ذكرها في الكلام على الغراب . ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران ، ويقال : إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين ، وقد مضى لها ذكر في الصلاة في قصة صاحبة الوشاح .
قوله : ( والعقرب ) هذا اللفظ للذكر والأنثى ، وقد يقال : عقربة وعقرباء ، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم . قال صاحب " المحكم " : ويقال : إن عينها في ظهرها ، وإنها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك . ويقال : لدغته العقرب بالغين المعجمة ، ولسعته بالمهملتين . وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما ، والذي يظهر لي أنه - صلى الله عليه وسلم - نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمهما معا حيث جمع . قال ابن المنذر : لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب . وقال نافع لما قيل له : فالحية؟ قال : لا يختلف فيها . وفي رواية : ومن يشك فيها؟ وتعقبه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا : لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب . قال : ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام ، وهذا اعتلال لا معنى له ، نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى .
قوله : ( والفأر ) بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل ، ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي فإنه قال : فيها جزاء إذا قتلها المحرم . أخرجه ابن المنذر ، وقال : هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح عن حماد بن زيد قال - لما ذكروا له هذا القول - : ما كان بالكوفة أفحش ردا للآثار من nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها ، ولا أحسن اتباعا لها من الشعبي لكثرة ما سمع . ونقل ابن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى . والفأر أنواع : منها الجرذ - بالجيم بوزن عمر - ، والخلد - بضم المعجمة وسكون اللام - ، وفأرة الإبل ، وفأرة المسك ، وفأرة الغيط ، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء ، وسيأتي في الأدب إطلاق الفويسقة عليها من حديث جابر ، وتقدم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد . وقيل : إنما سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح ، والله أعلم .
قوله : ( والكلب العقور ) الكلب معروف ، والأنثى كلبة ، والجمع أكلب وكلاب وكليب بالفتح ، كأعبد وعباد وعبيد . وفي الكلب بهيمية وسبعية كأنه مركب . وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في [ ص: 48 ] بابه . وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره . وقيل : إن أول من اتخذه للحراسة نوح - عليه السلام - وقد سبق البحث في نجاسته في كتاب الطهارة ، ويأتي في بدء الخلق جملة من خصاله .
واختلف العلماء في المراد به هنا ، وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا؟ فروى nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور بإسناد حسن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : الكلب العقور الأسد . وعن سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور فقال : وأي كلب أعقر من الحية؟ وقال زفر : المراد بالكلب العقور هنا الذئب خاصة . وقال مالك في " الموطأ " : كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور . وكذا نقل أبو عبيد ، عن سفيان ، وهو قول الجمهور .
وقال أبو حنيفة : المراد بالكلب هنا الكلب خاصة ، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب . واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=886715اللهم سلط عليه كلبا من كلابك . فقتله الأسد . وهو حديث حسن أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه ، واحتج بقوله تعالى : وما علمتم من الجوارح مكلبين فاشتقها من اسم الكلب ، فلهذا قيل لكل جارح : عقور . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي للحنفية بأن العلماء اتفقوا على تحريم قتل البازي والصقر وهما من سباع الطير ، فدل ذلك على اختصاص التحريم بالغراب والحدأة ، وكذلك يختص التحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذئب . وتعقب برد الاتفاق ، فإن مخالفيهم أجازوا قتل كل ما عدا وافترس ، فيدخل فيه الصقر وغيره ، بل معظمهم قال : يلتحق بالخمس كل ما نهي عن أكله إلا ما نهي عن قتله .
واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه ، فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين nindex.php?page=showalam&ids=15151والماوردي وغيرهما ، ووقع في " الأم " nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي الجواز ، واختلف كلام النووي فقال في البيع من " شرح المهذب " : لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله ، وقال في التيمم والغصب : إنه غير محترم . وقال في الحج : يكره قتله كراهة تنزيه . وهذا اختلاف شديد ، وعلى كراهة قتله اقتصرالرافعي وتبعه في " الروضة " وزاد أنها كراهة تنزيه ، والله أعلم . وذهب الجمهور كما تقدم إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم ، إلا أنهم اختلفوا في المعنى فقيل : لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ ، وهذا قضية مذهب مالك . وقيل : لكونها مما لا يؤكل ، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه ، وهذا قضية مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام : قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يؤذي ، وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان : ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان ، وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم . والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهي عن قتله فلا يجوز ، ففيه الجزاء إذا قتله المحرم .
وخالف الحنفية فاقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر ، والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية ، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها ، وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعي والعدوان المركب ، والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى ، كما وافقوا عليه في مسائل الربا .
قال ابن دقيق العيد : والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالإضافة إلى تصرف أهل القياس ، فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق وهو الخروج عن الحد ، وأما التعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق . انتهى . وقال غيره : هو راجع إلى تفسير الفسق ، فمن فسره بأنه الخروج [ ص: 49 ] عن بقية الحيوان بالأذى علل به ، ومن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به ، وقال من علل بالأذى : أنواع الأذى مختلفة ، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور ، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس ، وبالغراب والحدأ على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر ، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد . وقال من علل بتحريم الأكل وجواز القتل : إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها ، والتخصيص بالغلبة لا مفهوم له .
( تكملة ) : نقل الرافعي عن الإمام أن هذه الفواسق لا ملك فيها لأحد ولا اختصاص ، ولا يجب ردها على صاحبها ، ولم يذكر مثل ذلك في غير الخمس مما يلتحق بها في المعنى ، فليتأمل . واستدل به على جواز قتل من لجأ إلى الحرم ممن وجب عليه القتل ؛ لأن إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق والقاتل فاسق فيقتل ، بل هو أولى ؛ لأن فسق المذكورات طبيعي ، والمكلف إذا ارتكب الفسق هاتكا لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه . وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه بحث قابل للنزاع ، وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى . ( الحديث الثالث ) حديث ابن مسعود .