وقع هنا - في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر - قبل إيراد حديث مالك " باب إذا شرب الكلب في الإناء " قوله ( إذا شرب ) كذا هو في الموطأ ، والمشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه " إذا ولغ " ، وهو المعروف في اللغة ، يقال ولغ يلغ - بالفتح فيهما - إذا شرب بطرف لسانه ، أو أدخل لسانه فيه فحركه ، وقال ثعلب : هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه ، زاد ابن درستويه : شرب أو لم يشرب . وقال ابن مكي : فإن كان غير مائع يقال لعقه . وقال المطرزي : فإن كان فارغا يقال لحسه .
وادعى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أن لفظ " شرب " لم يروه إلا مالك ، وأن غيره رواه بلفظ " ولغ " ، وليس كما ادعى فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وابن المنذر من طريقين عن nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان عن ابن سيرين عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ " إذا شرب " لكن المشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ ، كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه ، وقد رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد شيخ مالك بلفظ " إذا شرب " nindex.php?page=showalam&ids=17275ورقاء بن عمر أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14033الجوزقي ، وكذا المغيرة بن عبد الرحمن أخرجه أبو يعلى ، نعم وروي عن مالك بلفظ " إذا ولغ " أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن إسماعيل بن عمر عنه ، ومن طريقه أورده nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في الموطآت له من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12090أبي علي الحنفي عن مالك ، وهو في نسخة صحيحة من سنن ابن ماجه من رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا ، وكأن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبا الزناد حدث به باللفظين لتقاربهما في المعنى ; لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه .
ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك ، لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتنجيس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ، ويكون ذكر الولوغ للغالب ، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه أشرفها فيكون الباقي من باب الأولى ، وخصه في القديم الأول ، وقالالنووي في الروضة : إنه وجه شاذ . وفي شرح المهذب : إنه القوي من حيث الدليل ، والأولوية المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات .
قوله : ( في إناء أحدكم ) ظاهره العموم في الآنية ، ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا ، وبه قال الأوزاعي مطلقا ، لكن إذا قلنا بأن الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير ، والإضافة التي في إناء أحدكم يلغى اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه ، وكذا قوله " فليغسله " لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل . وزاد مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في هذا الحديث " فليرقه " وهو يقوي القول بأن الغسل للتنجيس ، إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما ، فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال ، لكن قال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه . وقال حمزة الكناني : إنها غير محفوظة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لم يذكرها الحفاظ من أصحاب [ ص: 331 ] الأعمش كأبي معاوية وشعبة . وقال ابن منده : لا تعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه إلا عن علي بن مسهر بهذا الإسناد . قلت : قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي ، لكن في رفعه نظر ، والصحيح أنه موقوف . وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره .
قوله : ( فليغسله ) يقتضي الفور ، لكن حمله الجمهور على الاستحباب إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء .
قوله : ( سبعا ) أي : سبع مرار ، ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة إلا عن ابن سيرين ، على أن بعض أصحابه لم يذكره . وروي أيضا عن الحسن وأبي رافع عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وعبد الرحمن والد السدي عند البزار . واختلف الرواة عن ابن سيرين في محل غسلة التتريب ، فلمسلم وغيره من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان عنه " أولاهن " وهي رواية الأكثر عن ابن سيرين وكذا في رواية أبي رافع المذكورة ، واختلف عن قتادة عن ابن سيرين فقال nindex.php?page=showalam&ids=15991سعيد بن بشير عنه " أولاهن " أيضا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، وقال أبان عن قتادة " السابعة " أخرجه أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين " أولاهن أو إحداهن >[1] " . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن البزار " إحداهن " وكذا في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عنه ، فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن والسابعة معينة و " أو " إن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينة ، وهو الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من الأصحاب وذكره ابن دقيق العيد والسبكي بحثا ، وهو منصوص كما ذكرنا .
وإن كانت " أو " شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك ، فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة ، ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا ; لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه ، وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في حرملة على أن الأولى أولى والله أعلم .
( فائدة ) : خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية ، فأما المالكية فلم يقولوا بالتتريب أصلا مع إيجابهم التسبيع على المشهور عندهم ; لأن التتريب لم يقع في رواية مالك ، قال القرافي منهم : قد صحت فيه الأحاديث ، فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها . وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب ، والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم ، وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي . وعن مالك رواية بأنه نجس ; لكن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير ، فلا يجب التسبيع للنجاسة [ ص: 332 ] بل للتعبد ، لكن يرد عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=17257وهمام بن منبه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة طهور إناء أحدكم لأن الطهارة تستعمل إما عن حدث أو خبث ، ولا حدث على الإناء فتعين الخبث . وأجيب بمنع الحصر لأن التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم ; ولأن الطهارة تطلق على غير ذلك كقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقوله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=883670السواك مطهرة للفم والجواب عن الأول بأن التيمم ناشئ عن حدث فلما قام مقام ما يطهر الحدث سمي طهورا . ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله >[2] . والجواب عن الثاني أن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية إلا إذا قام دليل ، ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ عن الأمر بالغسل ، وإلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه ; لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهية فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل ، ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري ، ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب ، وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله nindex.php?page=hadith&LINKID=883671صبوا علي من سبع قرب ، قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=883672من تصبح بسبع تمرات عجوة . وتعقب بأن الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه ؟ وأجاب حفيد ابن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه ، أما في ابتدائه فلا يمتنع .
وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص ، وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالإراقة عام فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال ، وعورض بأن النهي عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة ويترجح هذا الثاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه ، فثبت أن عموم النهي عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة ، وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا ; لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ; ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا ، وإذا ثبتت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه إلا بطريق القياس كأن يقال : لعابه نجس ففمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لأن العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا ؟ تقدمت الإشارة إلى ذلك من كلام النووي ، وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب ، واعتذر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وغيره عنهم بأمور ، منها كون nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع ، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه ، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ ، وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر ، أما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح [ ص: 333 ] الأسانيد ، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير ، ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ، ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى . وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم ، وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار .
ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب ، فلما نهي عن قتلها نسخ الأمر بالغسل . وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=5078وعبد الله بن مغفل ، وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع nindex.php?page=showalam&ids=3كأبي هريرة ، بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب ، ومنها إلزام الشافعية بإيجاب ثمان غسلات عملا بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه " فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب " وفي رواية أحمد " بالتراب " وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا هم العمل بالحديث أصلا ورأسا ; لأن اعتذار الشافعية عن ذلك إن كان متجها فذاك ، وإلا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به ، قاله ابن دقيق العيد .
وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بالإجماع على خلافه ، وفيه نظر لأنه ثبت القول بذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه ، ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : هو حديث لم أقف على صحته ; ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته ، وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة على حديث ابن مغفل ، والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع ، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة دون العكس ، والزيادة من الثقة مقبولة .
ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته ، ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة . وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال : لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين . وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله " وعفروه الثامنة بالتراب " ظاهر في كونها غسلة مستقلة ، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازا . وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى .
والكلام على هذا الحديث وما يتفرع منه منتشر جدا ، ويمكن أن يفرد بالتصنيف ; ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر . والله المستعان .