[ ص: 143 ] [ ص: 144 ] قوله : ( باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الهلال فصوموا ) هذه الترجمة لفظ مسلم من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقد سبق للمصنف في أول الصيام من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبيه بلفظ : " إذا رأيتموه " وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الباب أحاديث تدل على نفي صوم يوم الشك رتبها ترتيبا حسنا : فصدرها بحديث عمار المصرح بعصيان من صامه ، ثم بحديث ابن عمر من وجهين ، أحدهما بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=886898فإن غم عليكم فاقدروا له ، والآخر بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=886899فأكملوا العدة ثلاثين وقصد بذلك بيان المراد من قوله : " فاقدروا له " ، ثم استظهر بحديث ابن عمر أيضا : nindex.php?page=hadith&LINKID=886900الشهر هكذا وهكذا ، وحنس الإبهام في الثالثة ثم ذكر شاهدا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة لحديث ابن عمر مصرحا بأن عدة الثلاثين المأمور بها تكون من شعبان ، ثم ذكر شاهدا لحديث ابن عمر في كون الشهر تسعا وعشرين من حديث أم سلمة مصرحا فيه بأن الشهر تسع وعشرون ، ومن حديث أنس كذلك ، وسأتكلم عليها حديثا حديثا ، إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وقال صلة عن عمار إلخ ) أما صلة فهو بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة ابن زفر بزاي وفاء وزن عمر كوفي عبسي بموحدة ومهملة من كبار التابعين وفضلائهم ، ووهم nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فزعم أنه nindex.php?page=showalam&ids=16237صلة بن أشيم ، والمعروف أنه ابن زفر ، وكذا وقع مصرحا به عند جمع ممن وصل هذا الحديث ، وقد وصله أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عنه ولفظه : عندهم " كنا عند nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر فأتي بشاة مصلية فقال : كلوا . فتنحى بعض القوم فقال : إني صائم . فقال عمار : من صام يوم الشك " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وغيره : " من صام اليوم الذي يشك فيه " وله متابع بإسناد حسن ، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن ربعي " أن عمارا وناسا معه أتوهم يسألونهم في اليوم الذي يشك فيه ، فاعتزلهم رجل ، فقال له عمار : تعال فكل . فقال : إني صائم ، فقال له عمار : إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فتعال وكل . " ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن منصور عن ربعي عن رجل ، عن عمار ، وله شاهد من وجه آخر أخرجه إسحاق بن راهويه من رواية سماك ، عن عكرمة . ومنهم من وصله بذكر ابن عباس فيه .
قوله : ( فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ) استدل به على تحريم صوم يوم الشك ؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه ، فيكون من قبيل المرفوع . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك . وخالفهم الجوهري المالكي فقال : هو موقوف . والجواب أنه موقوف لفظا مرفوع حكما . قال الطيبي : إنما أتى بالموصول ولم يقل : " يوم الشك " مبالغة في أن صوم يوم فيه أدنى شك سبب لعصيان صاحب الشرع ، فكيف بمن صام يوما الشك فيه قائم ثابت ، ونحوه قوله تعالى : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا أي : الذين أونس منهم أدنى ظلم ، فكيف بالظلم المستمر عليه؟
قلت : وقد علمت أنه وقع في كثير من الطرق بلفظ : " يوم الشك " وقوله : " أبا القاسم " قيل : فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زمانا ومكانا وغير ذلك ، وأما حديث ابن عمر فاتفق الرواة عن مالك عن نافع فيه على قوله : " فاقدروا له " وجاء من وجه آخر عن نافع بلفظ : " فاقدروا ثلاثين " كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع ، وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع . قال عبد الرزاق : وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به وقال : " فعدوا ثلاثين " واتفق الرواة عن مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار [ ص: 145 ] أيضا فيه على قوله : " فاقدروا له " وكذلك رواه الزعفراني وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في " الموطأ " عن القعنبي ، وأخرجه الربيع بن سليمان والمزني عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال فيه كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هنا عن القعنبي : nindex.php?page=hadith&LINKID=886901فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في " المعرفة " : إن كانت رواية nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=15020والقعنبي من هذين الوجهين محفوظة ، فيكون مالك قد رواه على الوجهين . قلت : ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات ، منها : ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين . ومنها : ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16279عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه ، عن ابن عمر بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=886902فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد من حديث حذيفة عند nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس عند أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما ، وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم .
قوله : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ) ظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل ، وبعض العلماء فرق بين ما قبل الزوال أو بعد ، وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقا ، وهو ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال ، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها ، ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به ، لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة ، وهو قوله : " فإن غم عليكم فاقدروا له " فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين حكم الصحو والغيم ، فيكون التعليق على الرؤية متعلقا بالصحو ، وأما الغيم فله حكم آخر .
ويحتمل أن لا تفرقة ، ويكون الثاني مؤكدا للأول ، وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة ، وإلى الثاني ذهب الجمهور ، فقالوا : المراد بقوله : " فاقدروا له " أي : انظروا في أول الشهر ، واحسبوا تمام الثلاثين ، ويرجح هذا التأويل الروايات الأخر المصرحة بالمراد ، وهي ما تقدم من قوله : " فأكملوا العدة ثلاثين " ونحوها ، وأولى ما فسر الحديث بالحديث ، وقد وقع الاختلاف في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في هذه الزيادة أيضا فرواها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما ترى بلفظ : " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " وهذا أصرح ما ورد في ذلك ، وقد قيل : إن آدم شيخه انفرد بذلك ، فإن أكثر الرواة عن شعبة قالوا فيه : فعدوا ثلاثين أشار إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي وهو عند مسلم وغيره . قال : فيجوز أن يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في " التحقيق " لأحمد في هذه المسألة - وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان - ثلاثة [ ص: 146 ] أقوال : أحدها : يجب صومه على أنه من رمضان . ثانيها : لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا ، بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا يجوز عن فرض رمضان ، ويجوز عما سوى ذلك . ثالثها : المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر . واحتج الأول بأنه موافق لرأي الصحابي راوي الحديث . قال أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث بلفظ : " فاقدروا له " قال نافع : فكان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر ، فإن رأى فذاك ، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا ، وإن حال أصبح صائما .
وأما ما روى الثوري في " جامعه " عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فالجمع بينهما أنه في الصورة التي أوجب فيها الصوم لا يسمى يوم شك ، وهذا هو المشهور عن أحمد أنه خص يوم الشك بما إذا تقاعد الناس عن رؤية الهلال أو شهد برؤيته من لا يقبل الحاكم شهادته ، فأما إذا حال دون منظره شيء فلا يسمى شكا . واختار كثير من المحققين من أصحابه الثاني . قال ابن عبد الهادي في تنقيحه : الذي دلت عليه الأحاديث - وهو مقتضى القواعد - أنه أي شهر غم أكمل ثلاثين ؛ سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما ، فعلى هذا قوله : " فأكملوا العدة " يرجع إلى الجملتين ، وهو قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=886906صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة أي : غم عليكم في صومكم أو فطركم ، وبقية الأحاديث تدل عليه ، فاللام في قوله : فأكملوا العدة للشهر أي : عدة الشهر ، ولم يخص - صلى الله عليه وسلم - شهرا دون شهر بالإكمال إذا غم ، فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك ، إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبينه فلا تكون رواية من روى : فأكملوا عدة شعبان مخالفة لمن قال : فأكملوا العدة بل مبينة لها . ويؤيد ذلك قوله في الرواية الأخرى : فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا . أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عباس هكذا ، ورواه الطيالسي من هذا الوجه بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=886907ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان وروى nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=886901فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين .
قوله : ( فاقدروا له ) تقدم أن للعلماء فيه تأويلين ، وذهب آخرون إلى تأويل ثالث ، قالوا : معناه فاقدروه بحساب المنازل . قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية nindex.php?page=showalam&ids=17098ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لا يصح عن مطرف ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا . قال : ونقل ابن خويز منداد عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مسألة ابن سريج ، والمعروف عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما عليه الجمهور ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي عن ابن سريج أن قوله : " فاقدروا له " خطاب لمن خصه الله بهذا العلم ، وأن قوله : " فأكملوا العدة " خطاب للعامة . قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر ، وعلى آخرين بحساب العدد ، قال : وهذا بعيد عن النبلاء .
وقال ابن الصلاح : معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة ، وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته الآحاد ، قال : فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم ، وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه . ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه ، وإنما قال بجوازه ، وهو اختيار القفال وأبي الطيب ، وأما أبو إسحاق في " المهذب " فنقل عن ابن [ ص: 147 ] سريج لزوم الصوم في هذه الصورة ، فتعددت الآراء في هذه المسألة بالنسبة إلى خصوص النظر في الحساب والمنازل : أحدها : الجواز ولا يجزئ عن الفرض ، ثانيها : يجوز ويجزئ ، ثالثها : يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجم ، رابعها : يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم ، خامسها : يجوز لهما ولغيرهما مطلقا . وقال ابن الصباغ أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا . قلت : ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك . فقال في " الإشراف " : صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة ، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته ، هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره ، فمن فرق بينهم كان محجوجا بالإجماع قبله ، وسيأتي بقية البحث في ذلك بعد باب .