قوله : ( الشهر تسع وعشرون ) ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه ، بل قد يكون ثلاثين ، والجواب أن المعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين ، أو اللام للعهد ، والمراد شهر بعينه ، أو هو محمول على الأكثر الأغلب ؛ لقول ابن مسعود : nindex.php?page=hadith&LINKID=886908ما صمنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد ، ويؤيد الأول قوله في حديث أم سلمة في الباب أن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : قوله : " الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا " . . . إلخ ، معناه حصره من جهة أحد طرفيه ، أي : إنه يكون تسعا وعشرين وهو أقله ، ويكون ثلاثين وهو أكثره ، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ، ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا ، ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله .
قوله : ( فلا تصوموا حتى تروه ) ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد ، بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك ، إما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي آخرين . ووافق الحنفية على الأول إلا أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره ، وإلا متى كان صحوا لم يقبل إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم . وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها ، ومن لم يذهب إلى ذلك قال لأن قوله : " حتى تروه " خطاب لأناس مخصوصين فلا يلزم غيرهم ، ولكنه مصروف عن ظاهره ، فلا يتوقف الحال على رؤية كل واحد فلا يتقيد بالبلد .
وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب : أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم ، وفي " صحيح " مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له ، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق ، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي وجها للشافعية . ثانيها مقابله إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها ، وهو المشهور عند المالكية ، لكن حكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الإجماع على خلافه ، وقال : أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس . قال القرطبي : قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم . وقال ابن الماجشون : لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم ؛ لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع . وقال بعض الشافعية : إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا ، وإن تباعدت فوجهان : لا يجب عند الأكثر ، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب ، وحكاه البغوي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وفي ضبط البعد أوجه : أحدها اختلاف المطالع ، قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي [ ص: 148 ] في " الروضة " و " شرح المهذب " . ثانيها مسافة القصر ، قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في " الصغير " والنووي في شرح مسلم " ثالثها : اختلاف الأقاليم . رابعها : حكاه السرخسي فقال : يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنها بلا عارض دون غيرهم . خامسها : قول ابن الماجشون المتقدم ، واستدل به على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده ، وإن لم يثبت بقوله ، وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم ، واختلفوا في الفطر ؛ فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يفطر ويخفيه . وقال الأكثر : يستمر صائما احتياطا .
قوله : ( فإن غم عليكم ) بضم المعجمة وتشديد الميم أي : حال بينكم وبينه غيم ، يقال : غممت الشيء إذا غطيته ، ووقع في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من طريق المستملي " فإن غم " ومن طريق الكشميهني " أغمى " ومن رواية السرخسي " غبى " بفتح الغين المعجمة وتخفيف الموحدة ، وأغمى وغم وغمى بتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم ، الكل بمعنى ، وأما غبى فمأخوذ من الغباوة ، وهي عدم الفطنة ، وهي استعارة لخفاء الهلال ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أنه روي " عمي " بالعين المهملة من العمى ، قال : وهو بمعناه ؛ لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات ، أو ذهاب البصيرة عن المعقولات .