[ ص: 213 ] قوله : ( باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر ) أي : هل يباح له الفطر أو لا؟ وكأنه أشار إلى تضعيف ما روي عن علي ، وإلى رد ما روي عن غيره في ذلك . قال ابن المنذر : روي عن علي بإسناد ضعيف ، وقال به عبيدة بن عمرو وأبو مجلز وغيرهما ونقله النووي عن أبي مجلز وحده ، ووقع في بعض الشروح أبو عبيدة وهو وهم ، قالوا : إن من استهل عليه رمضان في الحضر ، ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر ؛ لقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال : وقال أكثر أهل العلم : لا فرق بينه وبين من استهل رمضان في السفر ، ثم ساق ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عمر قال : قوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه نسخها قوله تعالى : ومن كان مريضا أو على سفر الآية . ثم احتج للجمهور بحديث ابن عباس المذكور في هذا الباب .
قوله : ( خرج إلى مكة ) كان ذلك في غزوة الفتح كما سيأتي .
قوله : ( فلما بلغ الكديد ) بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان معروف وقع تفسيره في نفس الحديث بأنه بين عسفان وقديد ، يعني : بضم القاف على التصغير . ووقع في رواية المستملي وحده نسبة هذا التفسير nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ، لكن سيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر في نفس الحديث ، وسيأتي قريبا عن ابن عباس من وجه آخر : " حتى بلغ عسفان " بدل الكديد ، وفيه مجاز القرب ؛ لأن الكديد أقرب إلى المدينة من عسفان ، وبين الكديد ومكة مرحلتان ، قال البكري : هو بين أمج - بفتحتين وجيم - وعسفان وهو ماء عليه نخل كثير .
ووقع عند مسلم في حديث جابر : " فلما بلغ كراع الغميم " هو بضم الكاف ، والغميم بفتح المعجمة ، وهو اسم واد أمام عسفان ، قال عياض : اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر - صلى الله عليه وسلم - فيه ، والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة ، والجميع من عمل عسفان ا هـ .
ووقع في رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري في حديث الباب أنه خرج لعشر مضين من رمضان ، ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك ، والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه ، واستدل به على أن للمرء أن يفطر ، ولو نوى الصيام من الليل وأصبح صائما فله أن يفطر في أثناء النهار ، وهو قول الجمهور وقطع به أكثر الشافعية ، وفي وجه ليس له أن يفطر ، وكأن مستند قائله ما وقع في البويطي من تعليق القول به على صحة حديث ابن عباس هذا ، وهذا كله فيما لو نوى الصوم في السفر ، فأما لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار؟ منعه الجمهور ، وقال أحمد وإسحاق بالجواز ، واختاره المزني محتجا بهذا الحديث ، فقيل له : قال كذلك ظنا منه أنه - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=887016أفطر في اليوم الذي خرج فيه من المدينة ، وليس كذلك ، فإن بين المدينة والكديد عدة أيام .
وقد وقع في البويطي مثل ما وقع عند المزني فسلم المزني ، وأبلغ من ذلك ما رواه ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن أنس أنه كان إذا أراد السفر يفطر في الحضر قبل أن يركب . ثم لا فرق عند المجيزين في الفطر بكل مفطر ، وفرق أحمد في المشهور عنه بين الفطر بالجماع وغيره فمنعه في الجماع ، قال : فلو جامع فعليه الكفارة إلا إن أفطر بغير الجماع قبل الجماع ، واعترض بعض المانعين في أصل المسألة فقال : ليس في الحديث دلالة على أنه - صلى الله عليه وسلم - نوى الصيام في ليله اليوم الذي أفطر فيه ، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس ، لكن سياق الأحاديث ظاهر في أنه كان أصبح صائما ثم أفطر . وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وغيره من طريق أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=887017 " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران ، فأتي بطعام فقال لأبي بكر وعمر : ادنوا فكلا . فقالا : إنا صائمان ، فقال : اعملوا لصاحبيكم ، ارحلوا لصاحبيكم ادنوا فكلا " قال nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة : فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار .
[ ص: 215 ] ( تنبيه ) : قال القابسي : هذا الحديث من مرسلات الصحابة ؛ لأن ابن عباس كان في هذه السفرة مقيما مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة ، فكأنه سمعها من غيره من الصحابة .