[ ص: 216 ] قوله : ( باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه واشتد الحر : ليس من البر الصيام في السفر ) أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=887021ليس من البر الصيام في السفر ما ذكره من المشقة ، وأن من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة ، وبما أشار إليه من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله ، فالحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر ، والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم ، وأن من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر .
وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة : لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض ، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر ؛ لظاهر قوله تعالى : فعدة من أيام أخر ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=887021ليس من البر الصيام في السفر ومقابلة البر الإثم ، وإذا كان آثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر ، وحكي عن عمر nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=12377وإبراهيم النخعي وغيرهم ، واحتجوا بقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قالوا : ظاهره " فعليه عدة " أو " فالواجب عدة " ، وتأوله الجمهور بأن التقدير : " فأفطر فعدة " ، ومقابل هذا القول قول من قال : إن الصوم في السفر لا يجوز إلا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة الشديدة ، حكاهالطبري عن قوم .
وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه ، وقال كثير منهم : الفطر أفضل عملا بالرخصة ، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وقال آخرون : هو مخير مطلقا ، وقال آخرون : أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى : يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه ، وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل ، وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره ابن المنذر ، والذي يترجح قول الجمهور ، ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به ، وكذلك من ظن به الإعراض عن قبول الرخصة كما تقدم نظيره في المسح على الحفين ، وسيأتي نظيره في تعجيل الإفطار . وقد روى أحمد من طريق أبي طعمة قال قال رجل nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : إني أقوى على الصوم في السفر ، فقال له ابن عمر : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة ، وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=886015من رغب عن سنتي فليس مني وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر فقد يكون الفطر أفضل له ، وقد أشار إلى ذلك ابن عمر ، فروى الطبري من طريق مجاهد قال : إذا سافرت فلا تصم ، فإنك إن تصم قال أصحابك : اكفوا الصائم ، [ ص: 217 ] ارفعوا للصائم ، وقاموا بأمرك ، وقالوا : فلان صائم ، فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك . ومن طريق مجاهد أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=15656جنادة بن أمية عن أبي ذر نحو ذلك .
وأما الحديث المشهور : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887024الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فقد أخرجه ابن ماجه مرفوعا من حديث ابن عمر بسند ضعيف ، وأخرجه الطبري من طريق أبي سلمة عن عائشة مرفوعا أيضا وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ، ورواه الأثرم من طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعا ، والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا كذلك ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وابن المنذر ، ومع وقفه فهو منقطع ؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه ، وعلى تقدير صحته فهو محمول على ما تقدم أولا ، حيث يكون الفطر أولى من الصوم والله أعلم .
وقال ابن دقيق العيد : أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب ، فينزل قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=887026ليس من البر [ ص: 218 ] الصوم في السفر على مثل هذه الحالة . قال : والمانعون في السفر يقولون : إن اللفظ عام ، والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب ، قال : وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم ، وبين مجرد ورود العام على سبب ، فإن بين العامين فرقا واضحا ، ومن أجراهما مجرى واحدا لم يصب ، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان ، وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات وتعيين المحتملات كما في حديث الباب . وقال ابن المنير في الحاشية : هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم; وأما من سلم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله ، والله أعلم .
وحمل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي نفي البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة فقال : معنى قوله : " ليس من البر " أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة ، وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح ، قال : ويحتمل أن يكون معناه : ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم ، وجزم nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر ، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برا ؛ لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوي على لقاء العدو مثلا ، قال : وهو نظير قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=887027ليس المسكين بالطواف الحديث ، فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها ، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغنيه ، ويستحيي أن يسأل ، ولا يفطن له .
قوله : ( حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ) عند مسلم من طريق غندر عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعني : ابن سعد ، ولأبي داود عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن ، يعني : ابن سعد بن زرارة .
قوله : ( سمعت محمد بن عمرو . . . إلخ ) أدخل محمد بن عبد الرحمن بن سعد بينه وبين جابر محمد بن عمرو بن الحسن في رواية شعبة عنه ، واختلف في حديثه على nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله فذكره ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : هذا خطأ ، ثم ساقه من طريق الفريابي عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني من سمع جابرا ، ومن طريق علي بن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن رجل عن جابر ثم قال : ذكر تسمية هذا الرجل المبهم ، فساق طريق شعبة ثم قال : هذا هو الصحيح ، يعني : إدخال رجل بين محمد بن عبد الرحمن وجابر ، وتعقبه المزي فقال : ظن nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أن محمد بن عبد الرحمن شيخ شعبة في هذا الحديث هو محمد بن عبد الرحمن شيخ nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير فيه ، وليس كذلك ؛ لأن شيخ يحيى هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وشيخ شعبة هو ابن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ا هـ .
والذي يترجح في نظري أن الصواب مع nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ؛ لأن مسلما لما روى الحديث من طريق أبي داود عن شعبة قال في آخره : قال شعبة كان بلغني هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الإسناد في هذا الحديث " عليكم برخصة الله التي رخص لكم " فلما سألته لم يحفظه ا هـ . والضمير في " سألت " يرجع إلى محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى ؛ لأن شعبة لم يلق يحيى فدل على أن شعبة أخبر أنه كان يبلغه عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو عن [ ص: 219 ] جابر في هذا الحديث زيادة ، ولأنه لما لقي محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى سأله عنها فلم يحفظها . وأما ما وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى أنه نسب محمد بن عبد الرحمن فقال فيه ابن ثوبان فهو الذي اعتمده المزي ، لكن جزم أبو حاتم كما نقله عنه ابنه في " العلل " بأن من قال فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فقد وهم ، وإنما هو ابن عبد الرحمن بن سعد ا هـ . وقد اختلف فيه مع ذلك على الأوزاعي ، وجل الرواة عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير لم يزيدوا على محمد بن عبد الرحمن ، لا يذكرون جده ولا جد جده ، والله أعلم .
قوله : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ) تبين من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر أنها غزوة الفتح ، nindex.php?page=showalam&ids=13114ولابن خزيمة من طريق حماد بن سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عن جابر " nindex.php?page=hadith&LINKID=887028سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان " فذكر نحوه .
( تنبيه ) : أوهم كلام صاحب " العمدة " أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=887032عليكم برخصة الله التي رخص لكم مما أخرجه مسلم بشرطه ، وليس كذلك ، وإنما هي بقية في الحديث لم يوصل إسنادها كما تقدم بيانه ، نعم ، وقعت عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي موصولة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير بسنده ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث كعب بن عاصم الأشعري كما تقدم .