[ ص: 287 ] [ ص: 288 ] قوله : ( باب صيام يوم عاشوراء ) أي : ما حكمه . وعاشوراء بالمد على المشهور ، وحكي فيه القصر ، وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية ، ورد ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء ، وبقول عائشة إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه . انتهى .
وهذا الأخير لا دلالة فيه على رد ما قال ابن دريد . واختلف أهل الشرع في تعيينه ، فقال الأكثر : هو اليوم العاشر ، قال القرطبي : عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم ، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة ؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها ، فإن قيل : يوم عاشوراء فكأنه قيل : يوم الليلة العاشرة ، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة ، فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12663أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء ، من الضار والسار والدال ، وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر ، وهذا قول الخليل وغيره : وقال الزين بن المنير : الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية ، وقيل : هو اليوم التاسع ، فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية ، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية ، وقيل : إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل ، كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين ، وكذلك إلى الثلاثة ، وروى مسلم من طريق nindex.php?page=hadith&LINKID=887194الحكم بن الأعرج : " انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت : أخبرني عن يوم عاشوراء ، قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما . قلت : أهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه؟ قال : نعم " وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع ، لكن قال الزين بن المنير : قوله : " إذا أصبحت من تاسعه فأصبح " يشعر بأنه أراد العاشر ؛ لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة .
قلت : ويقوي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887195لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع . فمات قبل ذلك " فإنه ظاهر في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك ، ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر ، إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح ، وبه يشعر بعض روايات مسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887196صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود ، صوموا يوما قبله أو يوما بعده " وهذا كان في آخر الأمر ، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان ، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح ، فهذا من ذلك ، فوافقهم أولا وقال : نحن أحق بموسى منكم ، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم ، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=887197أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام عاشوراء يوم العاشر وقال بعض أهل العلم : [ ص: 289 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=887198لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين : أحدهما : أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع ، والثاني : أراد أن يضيفه إليه في الصوم ، فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين ، وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب : أدناها أن يصام وحده ، وفوقه أن يصام التاسع معه ، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر ، والله أعلم . ثم بدأ المصنف بالأخبار الدالة على أنه ليس بواجب ، ثم بالأخبار الدالة على الترغيب في صيامه .
الحديث الأول : حديث ابن عمر أورده من رواية عمر بن محمد أي : ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن عم أبيه nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه ، وصرح بالتحديث في جميع إسناده .