[ ص: 315 ] قوله : ( باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس ) أي : بسبب تلاحي الناس ، وقيد الرفع بـ " معرفة " إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا . قال الزين بن المنير : يستفاد هذا التقييد من قوله : " التمسوها " بعد إخبارهم بأنها رفعت ، ومن كون أن وقوع التلاحي في تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك ، ومن قوله : " فعسى أن يكون خيرا " فإن وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها .
قوله : ( عن أنس عن عبادة بن الصامت ) كذا رواه أكثر أصحاب حميد عن أنس ، ورواه مالك فقال : " عن حميد عن أنس قال : خرج علينا " ولم يقل : " عن عبادة " قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : والصواب إثبات عبادة وأن الحديث من مسنده .
قوله : ( فتلاحي ) بالمهملة أي : وقعت بينهما ملاحاة ، وهي المخاصمة والمنازعة والمشاتمة ، والاسم اللحاء بالكسر والمد ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن أبي سعيد عند مسلم : " فجاء رجلان يختصمان معهما الشيطان " ونحوه في حديث القلتان عند ابن إسحاق وزاد أنه لقيهما عند سدة المسجد فحجز بينهما ، فاتفقت هذه الأحاديث على سبب النسيان . وروى مسلم أيضا من طريق أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=887264أريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها وهذا سبب آخر ، فإما أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مناما فيكون سبب النسيان الإيقاظ ، وأن تكون الرؤية في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النسيان ما ذكر من المخاصمة ، أو يحمل على اتحاد القصة ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين ، ويحتمل أن يكون المعنى " أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحي الرجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما " ، وقد روى عبد الرزاق من مرسل nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=887265ألا أخبركم بليلة القدر؟ قالوا : بلى . فسكت ساعة ثم قال : لقد قلت لكم وأنا أعلمها ثم أنسيتها فلم يذكر سبب النسيان ، وهو مما يقوي الحمل على التعدد .
قوله : ( رجلان ) قيل : هما عبد الله بن أبي حدرد nindex.php?page=showalam&ids=331وكعب بن مالك ذكره ابن دحية ولم يذكر له مستندا .
قوله : ( لأخبركم بليلة القدر ) أي : بتعيين ليلة القدر .
قوله : ( فرفعت ) أي : من قلبي ، فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين ، وقيل : المعنى فرفعت بركتها في تلك السنة ، وقيل : التاء في رفعت للملائكة لا لليلة ، وقال الطيبي قال بعضهم : رفعت أي : معرفتها ، والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها ، فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى ، قال : ويمكن أن يقال : المراد برفعها أنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد ، فنزل الشروع منزلة الوقوع ، وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بتعيينها؟ فيه احتمال ، وقد تقدم قول ابن عيينة في أول الكلام على ليلة القدر أنه أعلم ، وروى محمد بن نصر من طريق واهب المغافري أنه سأل nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أم سلمة : هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم ليلة القدر؟ فقالت : لا ، لو علمها لما أقام الناس غيرها ا هـ .
وهذا قالته احتمالا وليس بلازم ؛ لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضا فيحصل الاجتهاد في جميع العشر كما تقدم . واستنبط السبكي الكبير ، في " الحلبيات " من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها ; قال : ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها ، والخير كله فيما قدر له فيستحب اتباعه في ذلك ، وذكر في " شرح المنهاج " ذلك عن " الحاوي " قال : والحكمة فيه أنها كرامة والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يأمن السلب ، ومن جهة أن لا يأمن الرياء ، ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس ، ومن جهة أنه لا يأمن الحسد فيوقع غيره في المحذور ، ويستأنس له بقول يعقوب - عليه السلام - : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك الآية .
[ ص: 316 ] قوله : ( فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ) يحتمل أن يريد بالتاسعة تاسع ليلة من العشر الأخير فتكون ليلة تسع وعشرين ، ويحتمل أن يريد بها تاسع ليلة تبقى من الشهر فتكون ليلة إحدى أو اثنين بحسب تمام الشهر ونقصانه ، ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد الماضية في كتاب الإيمان بلفظ : " التمسوها في التسع والسبع والخمس " أي : في تسع وعشرين وسبع وعشرين وخمس وعشرين ، وفي رواية لأحمد : " في تاسعة تبقى " والله أعلم .