قوله : ( باب : هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد ) أورد هذه الترجمة على الاستفهام لاحتمال القضية ما ترجم له ، لكن تقييده ذلك بباب المسجد مما لا يتأتى فيه الخلاف حتى يتوقف عن بت الحكم فيه ، وإنما الخلاف في الاشتغال في المسجد بغير العبادة .
قوله : ( أن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته ) عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن علي بن الحسين : " حدثتني صفية " وهي nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بمهملة وتحتانية مصغرا ، ابن أخطب ، كان أبوها رئيس خيبر وكانت تكنى أم يحيى ، وسيأتي شرح تزويجها في المغازي ، إن شاء الله تعالى . وفي [ ص: 327 ] تصريح علي بن الحسين بأنها حدثته رد على من زعم أنها ماتت سنة ست وثلاثين أو قبل ذلك ؛ لأن عليا إنما ولد بعد ذلك سنة أربعين أو نحوها ، والصحيح أنها ماتت سنة خمسين ، وقيل : بعدها ، وكان علي بن الحسين حين سمع منها صغيرا ، وقد اختلفت الرواة عن الزهري في وصل هذا الحديث ، وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الأحكام ، إن شاء الله تعالى ، واعتمد المصنف الطريق الموصولة وحمل الطريق المرسلة على أنها عند علي عن صفية فلم يجعلها علة للموصول كما صنع في طريق مالك في الباب قبله .
قوله : ( فتحدثت عنده ساعة ) زاد ابن أبي عتيق عن الزهري كما سيأتي في الأدب " ساعة من العشاء " .
قوله : ( ثم قامت تنقلب ) أي : ترد إلى بيتها ( فقام معها يقلبها ) بفتح أوله وسكون القاف أي : يردها إلى منزلها .
قوله : ( حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ) في رواية ابن أبي عتيق : " الذي عند مسكن أم سلمة " والمراد بهذا بيان المكان الذي لقيه الرجلان فيه لإتيان مكان بيت صفية .
قوله : ( مر رجلان من الأنصار ) لم أقف على تسميتهما في شيء من كتب الحديث ، إلا أن ابن العطار في " شرح العمدة " زعم أنهما nindex.php?page=showalam&ids=14493أسيد بن حضير nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندا ، ووقع في رواية سفيان الآتية بعد ثلاثة أبواب " فأبصره رجل من الأنصار " بالإفراد ، وقال ابن التين إنه وهم ، ثم قال : يحتمل تعدد القصة . قلت : والأصل عدمه ، بل هو محمول على أن أحدهما كان تبعا للآخر ، أو خص أحدهما بخطاب المشافهة دون الآخر ، ويحتمل أن يكون الزهري كان يشك فيه فيقول تارة : " رجل " وتارة : " رجلان " ، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري : " لقيه رجل أو رجلان " بالشك ، وليس لقوله " رجل " مفهوم ، نعم رواه مسلم من وجه آخر من حديث أنس بالإفراد ، ووجهه ما قدمته من أن أحدهما كان تبعا للآخر ، فحيث أفرد ذكر الأصل ، وحيث ثنى ذكر الصورة .
قوله : ( فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية معمر : " فنظرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 328 ] ثم أجازا " أي : مضيا ، يقال : جاز وأجاز بمعنى ، ويقال جاز الموضع إذا سار فيه وأجازه إذا قطعه وخلفه ، وفي رواية ابن أبي عتيق : " ثم نفذا " وهو بالفاء والمعجمة أي : خلفاه ، وفي رواية معمر : " فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا " أي : في المشي ، وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : " فلما رأياه استحييا فرجعا " فأفاد سبب رجوعهما وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما .
قوله : ( على رسلكما ) بكسر الراء ويجوز فتحها أي : على هينتكما في المشي فليس هنا شيء تكرهانه ، وفيه شيء محذوف تقديره " امشيا على هينتكما " ، وفي رواية معمر : " فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - : تعاليا " وهو بفتح اللام قال الداودي أي : قفا ، وأنكره ابن التين وقد أخرجه عن معناه بغير دليل ، وفي رواية سفيان : " فلما أبصره دعاه فقال : تعال " .
قوله : ( إنما هي nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي ) في رواية سفيان : " هذه صفية " .
قوله : ( فقالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما ) زاد nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق بشر بن شعيب عن أبيه ذلك ، مثله في رواية ابن مسافر الآتية في الخمس ، وكذا للإسماعيلي من وجه آخر عن أبي اليمان شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وفيه ، وفي رواية ابن أبي عتيق عند المصنف في الأدب : " وكبر عليهما ما قال " وله من طريق عبد الأعلى عن معمر : " فكبر ذلك عليهما " وفي رواية هشيم : " فقال : يا رسول الله ، هل نظن بك إلا خيرا " .
قوله : ( ابن آدم ) المراد جنس أولاد آدم فيدخل فيه الرجال والنساء كقوله : يا بني آدم وقوله : يا بني إسرائيل بلفظ : المذكر إلا أن العرف عممه فأدخل فيه النساء .
قوله : ( وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ) كذا في رواية ابن مسافر ، وفي رواية معمر : " سوءا أو قال شيئا " وعند مسلم وأبي داود وأحمد من حديث معمر : " شرا " بمعجمة وراء بدل " سوءا " ، وفي رواية هشيم : " إني خفت أن يدخل عليكما شيئا " والمحصل من هذه الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءا لما تقرر عنده من صدق إيمانهما ، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك ؛ لأنهما غير معصومين ، فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى إعلامهما حسما للمادة وتعليما لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله تعالى - ، فقد روى nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنما قال لهما ذلك ؛ لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئا يهلكان به . قلت : وهو بين من الطرق التي أسلفتها ، وغفل البزار فطعن في حديث صفية هذا ، واستبعد وقوعه ولم يأت بطائل ، والله الموفق .
وقوله : " يبلغ " أو " يجري " قيل : هو على ظاهره ، وأن الله تعالى أقدره على ذلك ، وقيل : هو على سبيل الاستعارة [ ص: 329 ] من كثرة إغوائه ، وكأنه لا يفارق كالدم ، فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة . وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره ، وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة ، وزيارة المرأة للمعتكف ، وبيان شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم . وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار ، قال ابن دقيق العيد : وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به ، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلا يوجب سوء الظن بهم ، وإن كان لهم فيه مخلص ؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم ، ومن ثم قال بعض العلماء : ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيا نفيا للتهمة . ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه ، وقد عظم البلاء بهذا الصنف ، والله أعلم .
وفيه إضافة بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهن ، وفيه جواز خروج المرأة ليلا ، وفيه قول " سبحان الله " عند التعجب ، قد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله وللحياء من ذكره كما في حديث أم سليم ، واستدل به لأبي يوسف ومحمد في جواز تمادي المعتكف إذا خرج من مكان اعتكافه لحاجته وأقام زمنا يسيرا زائدا عن الحاجة ما لم يستغرق أكثر اليوم ، ولا دلالة فيه ؛ لأنه لم يثبت أن منزل صفية كان بينه وبين المسجد فاصل زائد ، وقد حد بعضهم اليسير بنصف يوم وليس في الخبر ما يدل عليه .