[ ص: 342 ] قوله : ( باب تفسير المشبهات ) بتشديد الموحدة ، وللنسفي بضمتين مخففا بغير ميم ، nindex.php?page=showalam&ids=13359ولابن عساكر بضم الميم وزيادة تاء لما تقدم في حديث النعمان بن بشير " nindex.php?page=hadith&LINKID=887298إن الشبهات لا يعلمها كثير من الناس واقتضى ذلك أن بعض الناس يعلمها ، أراد المصنف أن يعرف الطريق إلى معرفتها لتجتنب ، فذكر أولا ما يضبطها ، ثم أورد أحاديث يؤخذ منها مراتب ما يجب اجتنابه منها ، ثم ثنى بباب فيه بيان ما يستحب منها ، ثم ثلث بباب فيه بيان ما يكره . وشرح ذلك : أن الشيء إما أن يكون أصله التحريم أو الإباحة أو يشك فيه ، فالأول كالصيد فإنه يحرم أكله قبل ذكاته فإذا شك فيها لم يزل عن التحريم إلا بيقين ، وإليه الإشارة بحديث عدي بن حاتم . والثاني كالطهارة إذا حصلت لا ترفع إلا بيقين الحدث ، وإليه الإشارة بحديث عبد الله بن زيد في الباب الثالث ، ومن أمثلته من له زوجة وعبد وشك هل طلق أو أعتق فلا عبرة بذلك ، وهما على ملكه . [ ص: 343 ] والثالث ما لا يتحقق أصله ويتردد بين الحظر والإباحة فالأولى تركه ، وإليه الإشارة بحديث التمرة الساقطة في الباب الثاني .
قوله : ( وقال حسان بن أبي سنان ) هو البصري أحد العباد في زمن التابعين ، وليس له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الموضع ، وقد وصله أحمد في " الزهد " وأبو نعيم في " الحلية " عنه بلفظ : " إذا شككت في شيء فاتركه " ولأبي نعيم من وجه آخر اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس : ما عالجت شيئا أشد علي من الورع . فقال حسان : ما عالجت شيئا أهون علي منه ، قال : كيف؟ قال حسان : تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت . قال بعض العلماء : تكلم حسان على قدر مقامه ، والترك الذي أشار إليه أشد على كثير من الناس من تحمل كثير من المشاق الفعلية . وقد ورد قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887299دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " مرفوعا أخرجه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث الحسن بن علي . وفي الباب عن أنس عند أحمد من حديث ابن عمر عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في " الصغير " ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=105وواثلة بن الأسقع ومن قول ابن عمر أيضا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وغيرهما .
قوله : ( يريبك ) بفتح أوله ويجوز الضم يقال رابه يريبه بالفتح وأرابه يريبه بالضم ريبة وهي الشك والتردد ، والمعنى إذا شككت في شيء فدعه ، وترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع . وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887300لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس " وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الإيمان ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه . ثم هو على ثلاثة أقسام : واجب ومستحب ومكروه ، فالواجب اجتناب ما يستلزمه ارتكاب المحرم ، والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام ، والمكروه اجتناب الرخص المشروعة على سبيل التنطع .
الحديث الأول : حديث عقبة بن الحارث في الرضاع ، ووجه الدلالة منه قوله : " كيف وقد قيل : " ؟ فإنه يشعر بأن أمره بفراق امرأته إنما كان لأجل قول المرأة إنها أرضعتهما ، فاحتمل أن يكون صحيحا فيرتكب الحرام ، فأمره بفراقها احتياطا على قول الأكثر ، وقيل : بل قبل شهادة المرأة وحدها على ذلك ، وستأتي مباحثه في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى . الحديث الثاني حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة ، وستأتي مباحثه في كتاب الفرائض ، ووجه الدلالة منه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " احتجبي منه يا سودة " مع حكمه بأنه أخوها لأبيها ، لكن لما رأى الشبه البين فيه من غير زمعة أمر سودة بالاحتجاب منه احتياطا في قول الأكثر ، واعترض الداودي فقال : ليس هذا الحديث من هذا الباب في شيء ، وأجاب ابن التين بأن وجهه أن المشبهات ما أشبهت الحلال من وجه والحرام من وجه ، وبيانه من هذه القصة أن إلحاقه بزمعة يقتضي أن لا تحتجب منه سودة والشبه بعتبة يقتضي أن تحتجب . وقال ابن القصار : إنما حجب سودة منه لأن للزوج أن يمنع زوجته من أخيها وغيره من أقاربها . وقال غيره : بل وجب ذلك لغلظ أمر الحجاب في حق أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو اتفق مثل ذلك لغيره لم يجب الاحتجاب كما وقع في حق الأعرابي الذي قال له : " لعله نزعه عرق " . الحديث الثالث حديث عدي بن حاتم في الصيد ، ووجه الدلالة منه قوله : " إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر " فبين له وجه المنع وهو ترك التسمية ، وأبعد من استدل به على سد الذرائع .