قوله : ( باب من قال : إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى ) قال ابن بطال : لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائه حتى يروى ، قلت : وما نفاه من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك ، وكأن الذين ذهبوا إلى أنه يملك - وهم الجمهور - هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك .
قوله : ( لا يمنع ) بضم أوله على البناء للمجهول وبالرفع على أنه خبر والمراد به مع ذلك النهي . وذكر عياض أنه في رواية أبي ذر بالجزم بلفظ النهي . وكأن السر في إيراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الطريق الثاني كونها وردت بصريح النهي وهو " لا تمنعوا " والمراد بالفضل ما زاد على الحاجة .
nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من طريق عبيد الله بن عبد الله عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=887735لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة ، وكذلك في الموات إذا كان بقصد التملك ، والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها ، وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل ، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته ، والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته ، هذا هو الصحيح عند الشافعية ، ورخص المالكية هذا الحكم بالموات ، وقالوا في البئر التي في الملك : لا يجب عليه بذل فضلها ، وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح .
[ ص: 40 ] قوله : ( فضل الماء ) فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه منع الفضل لا منع الأصل ، وفيه أن محل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره ، والمراد تمكين أصحاب الماشية من الماء ولم يقل أحد إنه يجب على صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره مع قدرة المالك .
قوله : ( ليمنع به الكلأ ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصور هو النبات رطبه ويابسه ، والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي ، وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور ، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ، ويلتحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك .
ويحتمل أن يقال : يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم . والصحيح الأول ، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك ، والصحيح عند الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية ، وفرق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - فيما حكاه المزني عنه - بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع ، وبهذا أجاب النووي وغيره ، واستدل لمالك بحديث جابر عند مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=887736نهى عن بيع فضل الماء لكنه مطلق فيحمل على المقيد في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا مانع من المنع لانتفاء العلة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : والنهي عند الجمهور للتنزيه فيحتاج إلى دليل يوجب صرفه عن ظاهره ، وظاهر الحديث أيضا وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور .
وقيل : لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في إطعام المضطر ، وتعقب بأنه يلزم منه جواز المنع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ، ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتترتب له القيمة في ذمة المبذول له حتى يكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ذلك ، نعم في رواية لمسلم من طريق هلال بن أبي ميمونة عن أبي سلمة عن أبي هريرة لا يباع فضل الماء فلو وجب له العوض لجاز له البيع والله أعلم .
وروى ابن ماجه من طريق سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=887738ثلاثة لا يمنعن : الماء والكلأ والنار وإسناده صحيح ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : معناه الكلأ ينبت في موات الأرض ، والماء الذي يجري في المواضع التي لا تختص بأحد ، قيل والمراد بالنار الحجارة التي توري النار ، وقال غيره : المراد النار حقيقة والمعنى لا يمنع من يستصبح منها مصباحا أو يدني منها ما يشعله منها ، وقيل المراد ما إذا أضرم نارا في حطب مباح بالصحراء فليس له منع من ينتفع بها ، بخلاف ما إذا أضرم في حطب يملكه نارا فله المنع .