[ ص: 48 ] قوله : ( باب شرب الأعلى إلى الكعبين ) يشير إلى ما حكاه الزهري من تقدير ذلك كما سيأتي في آخر الباب .
قوله : ( حدثنا محمد ) زاد في رواية أبي الوقت " هو ابن سلام " .
قوله : ( فأمره بالمعروف ) كذا ضبطناه في جميع الروايات على أنه فعل ماض من الأمر ، وهي جملة معترضة من كلام الراوي ، وحكى الكرماني أنه بلفظ فعل الأمر من الإمرار وقد تقدم ما فيه ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : معناه أمره بالعادة المعروفة التي جرت بينهم في مقدار الشرب ا هـ .
ويحتمل أن يكون المراد أمره بالقصد والأمر الوسط مراعاة للجوار ، ويدل عليه رواية شعيب المذكورة ، ومثلها لمعمر في التفسير ، وهو ظاهر في أنه أمره أولا أن يسامح ببعض حقه على سبيل الصلح ، وبهذا ترجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصلح إذا أشار الإمام بالمصلحة ، فلما لم يرض الأنصاري بذلك استقصى الحكم وحكم به .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أن فيه دليلا على جواز فسخ الحاكم حكمه ، قال : لأنه كان له في الأصل أن يحكم بأي الأمرين شاء فقدم الأسهل إيثارا لحسن الجوار ، فلما جهل الخصم موضع حقه رجع عن حكمه الأول وحكم بالثاني ليكون ذلك أبلغ في زجره ، وتعقب بأنه لم يثبت الحكم أولا كما تقدم بيانه ، قال : وقيل بل الحكم كان ما أمر به أولا ، فلما لم يقبل الخصم ذلك عاقبه بما حكم عليه به ثانيا على ما بدر منه وكان ذلك لما كانت العقوبة بالأموال ا هـ .
وقد وافق ابن الصباغ من الشافعية على هذا الأخير ، وفيه نظر ، وسياق طرق الحديث يأبى ذلك كما ترى ، لا سيما قوله : " واستوعى للزبير حقه في تصريح الحكم " وهي رواية شعيب في الصلح ومعمر في التفسير ، فمجموع الطرق دال على أنه أمر الزبير أولا أن يترك بعض حقه ، وثانيا أن يستوفي جميع حقه .
قوله : ( فقال لي ابن شهاب ) القائل هو ابن جريج راوي الحديث .
قوله : ( فقدرت الأنصار والناس ) هو من عطف العام على الخاص .
[ ص: 49 ] قوله : ( وكان ذلك إلى الكعبين ) يعني أنهم لما رأوا أن الجدر يختلف بالطول والقصر قاسوا ما وقعت فيه القصة فوجدوه يبلغ الكعبين فجعلوا ذلك معيارا لاستحقاق الأول فالأول ، والمراد بالأول هنا من يكون مبدأ الماء من ناحيته . وقال بعض المتأخرين من الشافعية : المراد به من لم يتقدمه أحد في الغراس بطريق الإحياء ، والذي يليه من أحيا بعده ، وهلم جرا .
قال : وظاهر الخبر أن الأول من يكون أقرب إلى مجرى الماء وليس هو المراد . وقال ابن التين : الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين ، وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر ، قال : وأما الزروع فإلى الشراك . وقال الطبري : الأراضي مختلفة ، فيمسك لكل أرض ما يكفيها ، لأن الذي في قصة الزبير واقعة عين . واختلف أصحاب مالك : هل يرسل الأول بعد استيفائه جميع الماء ، أو يرسل منه ما زاد على الكعبين ؟ والأول أظهر ، ومحله إذا لم يبق له به حاجة والله أعلم .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من رواية ابن المبارك عن معمر قال : سمعت غير الزهري يقول : نظروا في قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887742حتى يرجع إلى الجدر " فكان ذلك إلى الكعبين . وكأن معمرا سمع ذلك من nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج فأرسله في رواية عبد الرزاق ، وقد بين nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أنه سمعه من الزهري . ووقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق " nindex.php?page=hadith&LINKID=887743احبس الماء إلى الجدر أو إلى الكعبين " وهو شك منه ، والصواب ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج . وذكر الشاشي من الشافعية أن معنى قوله : " إلى الجدر " أي إلى الكعبين ، وكأنه أشار إلى هذا التقدير ، وإلا فليس الجدر مرادفا للكعب .
وفيه توبيخ من جفى على الحاكم ومعاقبته ، ويمكن أن يستدل به على أن للإمام أن يعفو عن التعزير المتعلق به ، لكن محل ذلك ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع . وإنما لم يعاقب النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب القصة لما كان عليه من تأليف الناس ، كما قال في حق كثير من المنافقين nindex.php?page=hadith&LINKID=884238لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه قال القرطبي : فلو صدر مثل هذا من أحد في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في حق شريعته لقتل قتلة زنديق . ونقلالنووي نحوه عن العلماء . والله أعلم .