[ ص: 58 ] قوله : ( باب القطائع ) جمع قطيعة تقول قطعته أرضا جعلتها له قطيعة والمراد به ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأرض الموات فيختص به ويصير أولى بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه . واختصاص الإقطاع بالموات متفق عليه في كلام الشافعية ، وحكى عياض أن الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك ، قال : وأكثر ما يستعمل في الأرض ، وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه إما بأن يملكه إياه فيعمره ، وإما بأن يجعل له غلته مدة انتهى .
قال السبكي : والثاني هو الذي يسمى في زماننا هـذا إقطاعا ، ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره . وتخريجه على طريق فقهي مشكل . قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ، لكنه لا يملك الرقبة بذلك انتهى . وبهذا جزم المحب الطبري . وادعى nindex.php?page=showalam&ids=13677الأذرعي نفي الخلاف في جواز تخصيص الإمام بعض الجند بغلة أرض إذا كان مستحقا لذلك والله أعلم .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=17316يحيى بن سعيد ) هو الأنصاري ، ووقع nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي من وجه آخر عن سليمان بن حرب شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه التصريح بالتحديث لحماد من يحيى .
قوله : ( أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع من البحرين ) يعني للأنصار . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي " دعا الأنصار ليقطع لهم البحرين " وللإسماعيلي " ليقطع لهم البحرين أو طائفة منها " وكأن الشك فيه من حماد ، فسيأتي للمصنف في الجزية من طريق زهير عن يحيى بلفظ " دعا الأنصار ليكتب لهم البحرين " ولهم في مناقب الأنصار من رواية سفيان عن يحيى " إلى أن يقطع لهم البحرين " وظاهره أنه أراد أن يجعلها لهم إقطاعا . واختلف في المراد بذلك ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالإحياء ، ويحتمل أن يكون أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس ; لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها .
وتعقب بأنها فتحت صلحا كما سيأتي في كتاب الجزية ، فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها ، وبه جزم إسماعيل القاضي nindex.php?page=showalam&ids=13441وابن قرقول ، ووجهه ابن بطال بأن أرض الصلح لا تقسم فلا تملك . وقال ابن التين : إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار ، وإنما يقطع من الفيء ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد . قال : وقد يكون الإقطاع تمليكا وغير تمليك ، وعلى الثاني يحمل إقطاعه - صلى الله عليه وسلم - الدور بالمدينة ، كأنه يشير إلى ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مرسلا ووصله nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=hadith&LINKID=887746 " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة أقطع الدور " يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم انتهى .
وسيأتي في أواخر الخمس حديث أسماء بنت أبي بكر [ ص: 59 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=887747أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير يعني بعد أن أجلاهم . والظاهر أنه ملكه إياها وأطلق عليها إقطاعا على سبيل المجاز والله أعلم . والذي يظهر لي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين ، أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم فهو الجزية لأنهم كانوا صالحوا عليها ، وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا ، وقد وقع منه - صلى الله عليه وسلم - ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها ، منها إقطاعه nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري بيت إبراهيم فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية ، وبيدهم كتاب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وقصته مشهورة ذكرها ابن سعد وأبو عبيد في " كتاب الأموال " وغيرهما .
قوله : ( مثل الذي تقطع لنا ) زاد في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي " فلم يكن ذلك عنده " يعني سبب قلة الفتوح يومئذ كما في رواية الليث التي في الباب الذي يلي هذا وأغرب ابن بطال فقال : معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه كان أقطع المهاجرين أرض بني النضير .
قوله : ( سترون بعدي أثرة ) بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور وأشار - صلى الله عليه وسلم - بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش عن الأنصار بالأموال والتفضيل في العطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - ، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في مناقب الأنصار إن شاء الله تعالى .