قوله : ( باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها ) أي غنيا كان أو فقيرا كما تقدم ، أورد فيه حديث زيد بن خالد المذكور من جهة مالك عن ربيعة وفيه قوله : " ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا شأنك بها " فيه حذف تقديره فإن جاء صاحبها فأدها إليه وإن لم يجئ فشأنك بها ، فحذف من هذه الرواية جواب الشرط الأول وشرط " إن " الثانية والفاء من جوابها قاله ابن مالك في حديث أبي الآتي في أواخر أبواب اللقطة بلفظ " فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها " وإنما وقع الحذف من بعض الرواة دون بعض ، فقد تقدم حديث أبي في أول اللقطة بلفظ " فاستمتع بها " بإثبات الفاء في الجواب الثاني ، ومضى من رواية الثوري عن ربيعة في حديث الباب بلفظ " وإلا فاستنفقها " ومثله ما سيأتي بعد أبواب من رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بلفظ " ثم استنفق بها ، فإن جاء ربها فأدها إليه " ولمسلم من طريق ابن وهب المقدم ذكرها " فإذا لم يأت لها طالب فاستنفقها " .
واستدل به على أن اللاقط يملكها بعد انقضاء مدة التعريف ، وهو ظاهر نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإن قوله : " شأنك بها " تفويض إلى اختياره ، وقوله : " فاستنفقها " [ ص: 102 ] الأمر فيه للإباحة ، والمشهور عند الشافعية اشتراط التلفظ بالتمليك ، وقيل تكفي النية وهو الأرجح دليلا ، وقيل تدخل في ملكه بمجرد الالتقاط ، وقد روى الحديث nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ " وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك " .
قوله : ( شأنك بها ) الشأن الحال أي تصرف فيها ، وهو بالنصب أي الزم شأنك بها ، ويجوز الرفع بالابتداء ، والخبر " بها " أي شأنك متعلق بها ، واختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هـل يضمنها له أم لا ؟ فالجمهور على وجوب الرد إن كانت العين موجودة ، أو البدل إن كانت استهلكت ، وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ووافقه صاحباه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وداود بن علي إمام الظاهرية ، لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ، ومن حجة الجمهور قوله في الرواية الماضية " ولتكن وديعة عندك " وقوله أيضا عند مسلم في رواية بشر بن سعيد عن زيد بن خالد " nindex.php?page=hadith&LINKID=887766فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه " فإن ظاهر قوله : " فإن جاء صاحبها إلخ " . بعد قوله : " كلها " يقتضي وجوب ردها بعد أكلها فيحمل على رد البدل ويحتمل أن يكون في الكلام حذف يدل عليه بقية الروايات ، والتقدير فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها إن لم يجئ صاحبها فإن جاء صاحبها فأدها إليه .
وأصرح من ذلك رواية أبي داود من هذا الوجه بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=887767فإن جاء باغيها فأدها إليه ، وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها ، فإن جاء باغيها فأدها إليه فأمر بأدائها إليه قبل الإذن في أكلها وبعده ، وهي أقوى حجة للجمهور وروى أبو داود أيضا من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن أبيه عن زيد بن خالد في هذا الحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=887768فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإذا تقرر هذا أمكن حمل قول المصنف في الترجمة " فهي لمن وجدها " أي في إباحة التصرف فيها حينئذ ، وأما أمر ضمانها بعد ذلك فهو ساكت عنه ، قال النووي : إن جاء صاحبها قبل أن يتملكها الملتقط أخذها بزوائدها المتصلة والمنفصلة وأما بعد التملك فإن لم يجئ صاحبها فهي لمن وجدها ولا مطالبة عليه في الآخرة ، وإن جاء صاحبها فإن كانت موجودة بعينها استحقها بزوائدها المتصلة ومهما تلف منها لزم الملتقط غرامته للمالك وهو قول الجمهور ، وقال بعض السلف : لا يلزمه وهو ظاهر اختيار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والله أعلم . وسأذكر بقية فوائد حديث زيد بن خالد بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى .