[ ص: 94 ] قوله : ( باب ) هو منون ، ووجه كون الحياء من الإيمان تقدم مع بقية مباحثه في باب أمور الإيمان ، وفائدة إعادته هنا أنه ذكر هناك بالتبعية وهنا بالقصد مع فائدة مغايرة الطريق .
قوله : ( حدثنا عبد الله بن يوسف ) هو التنيسي نزيل دمشق ، ورجال الإسناد سواه من أهل المدينة .
قوله : ( أخبرنا ) وللأصيلي حدثنا مالك ، ولكريمة بن أنس ، والحديث في الموطأ .
قوله : ( عن أبيه ) هو nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بن الخطاب .
قوله : ( مر على رجل ) لمسلم من طريق معمر " مر برجل " ومر بمعنى اجتاز يعدى بعلى وبالباء ، ولم أعرف اسم هذين الرجلين الواعظ وأخيه . وقوله " يعظ " أي ينصح أو يخوف أو يذكر ، كذا شرحوه ، والأولى أن يشرح بما جاء عند المصنف في الأدب من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب ولفظه " يعاتب أخاه في الحياء " يقول : إنك لتستحي ، حتى كأنه يقول : قد أضر بك ، انتهى . ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر ، لكن المخرج متحد ، فالظاهر أنه من تصرف الراوي بحسب ما اعتقد أن كل لفظ منهما يقوم مقام الآخر ، و " في " سببية فكأن الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه ، فعاتبه أخوه على ذلك ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " دعه " أي : اتركه على هذا الخلق السني ، ثم زاده في ذلك ترغيبا لحكمه بأنه من الإيمان ، وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق ، لا سيما إذا كان المتروك له مستحقا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان ، فسمي إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه . وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز ، والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان ، فلهذا وقع التأكيد ، وقد يكون التأكيد من جهة أن القضية في نفسها مما يهتم به وإن لم يكن هناك منكر . قال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبيح ، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة . وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحي فاسقا ، وقلما يكون الشجاع مستحيا ، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان . انتهى ملخصا .
وقال غيره : هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره ، أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا أو عرفيا ، ومقابل الأول فاسق والثاني مجنون والثالث أبله . قال : وقوله - صلى الله عليه وسلم - " nindex.php?page=hadith&LINKID=883428الحياء شعبة من الإيمان أي : أثر من آثار الإيمان ، وقال الحليمي : حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه ، وقال غيره : إن كان في محرم فهو واجب ، وإن كان في مكروه فهو مندوب ، وإن كان في مباح فهو العرفي ، وهو المراد بقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=883429الحياء لا يأتي إلا بخير " . ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع على وفق الشرع إثباتا ونفيا ، وحكي عن بعض السلف : رأيت المعاصي مذلة ، فتركتها مروءة ، فصارت ديانة . وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته ، وقد قال بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك . واستح منه على قدر قربه منك . والله أعلم .